للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلاصة الكلام في الموضوع

وحقيقة الأمر أن الأدلة الجعلية القصدية لا بُدّ فيها من إرادة الرب ومشيئته، أن تكون أدلة، فلا بُدّ أن يريد أن يجعل هذا الفعل ليدلّ. وهم لا يجوزون أن يريد شيئاً لشيء، بل كل مخلوق هو عندهم مراد من نفسه، لم يُرَد لغيره. فامتنع أن يكون يريد الرب جعل شيء دليلاً على أصلهم١.

فتبين أنّه على أصلهم غير قادر على [نصب] ٢ ما يقصد به دلالة العباد، وهدايتهم، وإعلامهم؛ لا قول، ولا فعل. فبطلت المقدمة الكبرى. وبتقدير أن يكون قادراً على ذلك، فهو إذا أظهر على يد الكاذب ما يظهر على يد الصادق، كان لم يفعل هذا المقدور، ولم يجعل ذلك دليلاً على الصدق، لا يلزم أن لا يكون قادراً.

فهم اعتمدوا على هذه الحجة، وقالوا: هذا هذا، وهذا هذا.

من لم يثبت الحكمة يلزمه نفي الإرادة والمشيئة والقدرة

فقد تبيَّن أنّ من لم يثبت حكمة الرب، يلزمه نفي إرادته ومشيئته كما تقدم٣، ويلزمه أيضاً نفي قدرته على أن يفعل شيئاً لشيء، فلا يمكنه أن ينصب دليلاً ليدلّ به عباده على صدق صادق ولا كذب كاذب. وهم يقولون: من فعل شيئاً لحكمة، دليلٌ على حاجته ونقصه؛ لأنه فعل لغرض.


١ وقد ردّ عليهم شيخ الإسلام رحمه الله بقوله: "الغاية التي يُراد الفعل لها هي غاية مرادة للفاعل، ومراد الفاعل نوعان؛ فإنه تارة يفعل فعلاً ليحصل بفعله مراده، فهذا لا يفعله وهو يعلم أنه لا يكون، والله تعالى يفعل ما يريد، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولكن الله يفعل ما يريد. وتارة يريد من غيره أن يفعل فعلاً باختيار، لينتفع ذلك الفاعل بفعله، ويكون ذلك محبوباً للفاعل الأول، كمن يبني مسجداً ليصلي فيه الناس، ويعطيهم مالاً ليحجوا به، ويجاهدوا به". درء تعارض العقل والنقل ٨٤٧١. وانظر: منهاج السنة النبوية ٣١٦٨.
٢ في ((خ)) : ما نصب. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
٣ انظر ما سبق ص ٥٠١-٥٠٧ من هذا الكتاب، وكذا ص ١١٠٧، ١١٥٦ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>