للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلّ ذلك مناقضٌ للنبوة؛ فإنّ النبي لا يكون إلا مؤمناً، وهؤلاء كفار؛ فوجود ما يناقض الإيمان هو مناقض للنبوة بطريق الأولى، وهو آيةٌ، ودليلٌ، وبرهان على عدم النبوة، فيمتنع أن يكون دليلاً على وجودها.

وجميع ما يختص بالسحرة والكهان وغيرهم ممّن ليس بنبيّ، لا يخرج عن مقدور الإنس والجن١. وأعني بالمقدور: ما يمكنهم التوصل إليه بطريق من الطرق٢؛ فإنّ من الناس من يقول: إنّ المقدور لا بُدّ أن يكون في محلّ القدرة٣.


١ هذا من الفروق التي يميز بها النبيّ من المتنبئ، والصادق من الكاذب.
٢ التي أقدر الله عليها الجن والإنس. انظر ما سبق ص ١٦٤، ٢٢٣، ٦٠٦، ٣٦١، ٦٧٢.
٣ هذا من تعريفات الأشاعرة للكسب - عندهم. انظر: شرح جوهرة التوحيد للباجوري ص ٢١٩. وشرح الصاوي على جوهرة التوحيد ص ١٤٩-١٥٠.
وانظر كذلك: مجموع الفتاوى ٨٤٠٤، ٤٦٧. وشفاء العليل لابن القيم ص ١٢١-١٢٢.
وهذه المسألة لها تعلّق بالاستطاعة والقدرة.
وقد وقع الخلاف فيها على أقوال، تبعاً للخلاف الواقع في القدر:
فالجهميّة، وهم الجبرية: قالوا بنفي القدرة لا مع الفعل ولا قبله؛ لأنّ العبد عندهم لا اختيار له.
والمعتزلة: أثبتوا القدرة قبل الفعل، ونفوا أن تكون معه.
أما الأشاعرة، فقالوا: إن القدرة مع الفعل، لا يجوز أن تتقدمه، ولا أن تتأخّر عنه، بل هي مقارنة له، وهي من الله تعالى، وما يفعله الإنسان بها فهو كسب له.
وأهل السنة قالوا: إن القدرة تقع على نوعين:
أ - قدرة أو استطاعة للعبد، بمعنى الصحة والتوسع والتمكن وسلامة الآلات، وهي التي تكون مناط الأمر والنهي، وهي المصححة للفعل. فهذه لا يجب أن تقارن الفعل، بل تكون قبله متقدمة عليه.
ب- والاستطاعة أو القدرة التي يجب معها وجود الفعل، وهذه هي الاستطاعة المقارنة للفعل الموجبة له.
انظر: الملل والنحل ١٨٥. والإرشاد ص ٢١٩-٢٢٠. والإنصاف ص ٤٦. والتمهيد ص ٣٢٣-٣٢٥. ومجموع الفتاوى ٨١٢٩-١٣٠، ٢٩٠-٢٩٢، ٣٧١-٣٧٦، ٤٤١، ١٠٣٢، ١٨١٧٢-١٧٣. ودرء تعارض العقل والنقل ٩٢٤١ وشرح الطحاوية ص ٦٣٣-٦٣٩. وموقف ابن تيمية من الأشاعرة ٣١٣٣١-١٣٣٢. والماتريدية ص ٤٢٤-٤٢٥.
وقد ناقش شيخ الإسلام رحمه الله قضية الكسب عند الأشاعرة، وردّ عليها في مواضع عديدة من مصنّفاته القيّمة، فمن ذلك قوله عنهم: "وأخذوا يفرقون بين الكسب الذي أثبتوه، وبين الخلق؛ فقالوا: الكسب: عبارة عن اقتران المقدور بالقدرة الحادثة، والخلق هو المقدور بالقدرة القديمة. وقالوا أيضاً: الكسب هو الفعل القائم بمحل القدرة عليه، والخلق هو الفعل الخارج عن محل القدرة عليه. فقال لهم الناس: هذا لا يُوجب فرقاً بين كون العبد كسب، وبين كونه فعل وأوجد وصنع وعمل ونحو ذلك؛ فإن فعله وإحداثه وعمله وصنعه هو أيضاً مقدور بالقدرة الحادثة، وهو قائم في محلّ القدرة الحادثة. وأيضاً فهذا فرق لا حقيقة له؛ فإنّ كون المقدور في محل القدرة أو خارجاً عن محلها لا يعود إلى نفس تأثير القدرة فيه، وهو مبني على أصلين: أن الله لا يقدر على فعل يقوم بنفسه، وأن خلقه للعالم هو نفس العالم. وأكثر العقلاء من المسلمين وغيرهم على خلاف ذلك. والثاني: أن قدرة العبد لا يكون مقدورها إلا في محل وجودها، ولا يكون شيء من مقدورها خارجاً عن محلها. وفي ذلك نزاع طويل ليس هذا موضعه. وأيضاً: فإذا فسر التأثير بمجرد الاقتران، فلا فرق بين أن يكون الفارق في المحل أو خارجاً عن المحل". مجموع الفتاوى ٨١١٩.
وانظر عن الكسب عند الأشاعرة: مجموع الفتاوى ٨١١٨-١٢٠، ٣٨٧، ٤٠٣، ٤٦٧-٤٦٨. والصفدية ١١٤٩-١٥٣. وشرح الأصفهانية ص ١٤٩-١٥٠، ٣٥٠. ودرء تعارض العقل والنقل ١٨٢-٨٤، ٤٦٥،، ٦٤٩، ٧٢٤٧-٢٤٨، ٩١٦٧، ١٠١١٤-١١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>