للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرّاجح:

والذي يظهرمما تقدّم، أنَّه قلّ من العلماء من يلغي قرينة الحال عند التحقيق والتأمّل، إلاّ أنّ في اعتبارها في بعض الأقوال نظرًا.

ويبدو لي: أنّ البكاء لا يلحق بالصمت في الدلالة على الرضى إلاّ بقرينة تدلّ على أنّه لفرط الحياء أو خشية فراق بيوت الآباء أو نحو ذلك، وكذلك الضحك دليل الرضى- كما قلنا- ما لم تقم قرينة دالّة على خلافه، وذلك لما يلي:

١- إنَّ زيادة لفظ "بكت" في الحديث غير ثابته- كما تقدّم.

٢- إنَّ البكاء دالّ حقيقة على السخط والكراهية، لا على الفرح والرضى ونحوه، فلا يخرج عمّا وضع له إلاّ بقرينة واضحة.

وأمَّا من قال: إنّ الضحك والبكاء دالّ على الرضى إلاّ بقرينة، فقد جمع بين المتناقضات؛ فإنّ لكلِّ من الضحك والبكاء حقيقة تخالف الأخرى، والعمل بالحقيقة لا يحتاج إلى قرينة تؤيِّده.

وأمّا من فرّق بين بكاء يصحبه صياح، وضرب للخدود، ودعاء بالويل والثبور، فهذا اعتبار لبعض القرائن التي نحن في غنى عنها لو لم ترد؛ إذ إنّنا نحتاج للقرينة لتأويل الحقيقة عن ظاهرها، لا للاستدلال بها على الأخذ بالحقيقة سواء أكانت حقيقة لغوية أم شرعية أم عرفية، وقد تعارف الناس البكاء- غالبًا- لما يكرهون.

وأمّا قولهم: إنّها لوكرهت لصرَّحت بالردّ، لأنّها لاتستحي من الافصاح به، فنقول: كفى بالصَّمت عذرًا وسترًا لو كان هناك رضى، أمّا

<<  <  ج: ص:  >  >>