رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} ١ ينبغي أن يعرف ما هو الرُّشْد الذي أمر الله تعالى من أونس منه بدفع ماله إليه، فنظرنا في القرآن الذي هو المبيّن لنا ما ألزمنا الله تعالى إيّاه فوجدناه كلّه ليس الرُّشْد فيه إلاّ الدِّين وخلاف الغيّ فقط، لا المعرفة بكسب المال أصلاً- ثم ذكر شواهد ما قاله من القرآن - وقال: فصحّ أنَّ الرُّشْد ليس هو كسب المال، ولا منعه من الحقوق ووجوه البر، بل هذا هو السفه، وإنّما الرُّشْد: طاعة الله تعالى، وكسب المال من الوجوه التي لا تثلم الدين ولا تخلق العرض، وإنفاقه في الواجبات، وفيما يتقرب به إلى الله تعالى للنّجاة من النار، وإبقاء ما يقوم بالنفس والعيال على التوسط والقناعة فهذا هو الرُّشْد. وكذلك لم نجد في شيء من لغة العرب: أنَّ الرُّشْد هو الكيِّس في جمع المال وضبطه، فبطل تأويلهم في الرُّشْد بالآية، وفي دفع المال بإناسه، وصحّ أنّها موافقة لقولنا وأنَّ مراد الله تعالى يقينًا بها إنّما هو أن من بلغ عاقلاً مميّزًا مسلمًا وجب دفع ماله إليه، وجاز فيه من جميع أفعاله ما يجوز من فعل سائر الناس كلِّهم، ويردّ من أفعاله ما يردّ من أفعال سائر الناس كلّهم، ولا فرق، وأنّ من بلغ غير عاقل ولا مميِّز للدِّين لم يدفع إليه ماله، ولو كان الَّذي قالوا في الرُّشْد وفي السّفه قولاً صحيحًا- ومعاذ الله من ذلك- لكان طوائف من اليهود