وبناء على هذا الاختلاف في الرِّوايات عن عائشة - رضي الله عنها - في حال زوج بَرِيرَة يوم أعتقت أكان عبدًا أم حرّاً؟ فقد اختلف العلماء في تصحيح تلك الرِّوايات جميعها، أو ترجيح بعضها على بعض، فمنهم من حكم لها بالصِّحة جميعها وجمع بينها، ومنهم من رجَّح رواية أنّه كان عبدًا، ومنهم من رجّح رواية أنّه كان حرًّا. وقد انتصر كلُّ ذي وجهة لوجهته بكلام يطول ذكره، ويصعب حصره في مثل هذا المقام، وحسبنا من كلِّ ذلك خلاصته.
فممَّن ذهب إلى طريقة الجمع بين تلك الرِّوايات: الطحاوي، وابن حزم الظاهري. وحجَّتهم أنَّ طريقة الجمع مقدّمة على طريقة الترجيح متى أمكن ذلك، والجمع هنا ممكن؛ وذلك بحمل رواية أنّه كان عبدًا على حاله قبل عتق زوجته، وحرًّا يوم عتقها، فمن قال: كان عبدًا حكى حاله السابقة، ومن قال كان حرّاً حكى حاله يوم عِتْق زوجته، وذلك أنَّ الرِّق تعقبه الحُرِّية بخلاف الحُرِّية فلا يعقبها رِقّ١.
ونوقش هذا الجمع بأنَّ بعض الرِّوايات الصحيحة صريحة في أن زوج بَرِيرَة كان عبدًا يوم أعتقت، وأنَّ القول بأنَّه كان حرًّا ليس من قول
١ انظر: شرح معاني الآثار (٣/٨٣) ، والمحلى (١٠/١٥٦) ، وقد أطال في بحث هذه المسألة فليراجعها من شاء.