وسبق حال ما بحرف جر قد ... أبوا، ولا أمنعه؛ فقد ورد وقد بينا القول في ذلك من قبل، وأثبت ابن مالك في شرح التسهيل التقديم، بقوله: "وجواز التقديم هو الصحيح؛ لِوروده في الفصيح؛ لِقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} فـ "كافة" -على هذا- حال من "الناس"، المجرور باللام، وقد تقدم الحال على صاحبه "المجرور"؛ وأما الأمثلة الشعر العربي فكثيرة؛ منها قول عبد الرحمن بن حسان: إذا المرء أعيته المروءة ناشئا ... فمطلبها كهلًا عليه شديدُ فـ "كهلا" حال من "الهاء" المجرور محلا بـ "على" في قوله: "عليه" وقد تقدم الحال على صاحبه المجرور. بحرف جر أصلي. ومنها قول عروة بن حزام، أو كثير، ونسب إلى المجنون: لئن كان برد الماء هيمان صاديا ... إلي حبيبا إنها لحبيب فـ "هيمان، وصاديا" حالان من "الياء" المجرور محلا بـ "إلى" في قوله: "إلي"؛ وقد تقدم الحال على صاحبه المجرور بحرف جر أصلي، كما هو واضح. وحملوا على ذلك، قوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} فأعربوا "على قميصه": جارا ومجرورا متعلقا بمحذوف حال من دم" المجرور بالباء؛ وفي هذا تقدم للحال؛ كما هو واضح؛ وأما الزمخشري فأعرب "على قميصه" في محل نصب على الظرفية، وكأنه قيل: وجاءوا فوق قميصه بدم كذب، وأعرب هذا الإعراب فرارا من تقديم الحال على صاحبها المجرور، وخالفه العلماء في ذلك. حاشية يس على التصريح: ١/ ٣٧٩ وحاشية الصبان: ٢/ ١٧٧-١٧٨. ١ ذكر هذا التخريج الزجاج، ولم يرتضه ابن مالك، وعلل رده بأن مجيء التاء للمبالغة سماعي في أمثلة المبالغة مثل علامة، وإن جاءت في بعض أمثلة اسم الفاعل مثل راوية فهو شاذ لا يقاس عليه، والمعروف أنه لا يجوز حمل الفصيح على الشاذ خصوصا إذا وجد له محمل آخر لا شذوذ فيه. التصريح: ١/ ٣٧٩. ٢ جعل الزمخشري "كافة" صفة لموصوف محذوف، وتقدير الكلام: وما أرسلناك إلا إرسالة كافة، ورد هذا التخريج بوجهين، الأول: أن كلمة "كافة" لا تستعمل في الكلام العربي إلا حالا، فجعلها صفة ينافي ما ثبت لها من ذلك. والوجه الثاني: أن حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه إنما عهد في صفة اعتيد استعمالها مع هذا الموصوف، و"كافة مع إرسالة ليس من هذا الباب. مغني اللبيب: ٧٣٣، والتصريح: ١/ ٣٧٩.