للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمطر غوث ورحمة لسكان شبه الجزيرة العربية، يبعث الحياة في الأرض، فتنبت العشب والكلأ والكمأة والأزهار، ويحول وجهها الكئيب إلى وجه مشرق ضحوك، فيفرح الناس وتفرح معهم ماشيتهم، ومن هنا كانت مرادفات المطر الغيث، وفيها ما فيها من معاني الغوث والنصرة، وهو على أي حال، جد قليل في داخل البلاد، بالنسبة إلى شدة احتياج البلاد إليه، ولعل أكثر المناطق حظوة ونصيبًا من المطر هي النفود الشمالي وجبل شمر، إذ تنزل بها الأمطار في الشتاء، فتنبت أعشاب الربيع، وأما الصحاري الجنوبية فلا يصيبها المطر إلا زذاذًا، وقد تبخل الطبيعة عليها حتى بهذا الرذاذ، وأما الساحل الغربي حيث معظم الأرض حَرّة، فإن المطر ينهمر هناك مدرارًا فتسيل السيول، ثم تبدو الأرض وكأن لم يصبها شيء، حيث لا يتسرب من هذه السيول شيء كثير إلى باطن الأرض، وإنما تصب في البحر، على أن ثمة بقاعًا قليلة تستفيد من المطر كالعقيق في المدينة وبعض البقاع حول مكة، ولا ريب في أن الطائف مثلا بلد خصب -وكذا خيبر- ولكن تلك الأماكن الخصبة قليلة جدًّا بالنسبة إلى اتساع الجزيرة العربية١.

وتسقط الأمطار الموسمية في اليمن وعسير، وهي هناك تكفي لتأمين زراعة الأرض زراعة منتظمة، ففيها نجد خضرة دائمة تنبت في أودية خصبة تمتد إلى نحو مائتي ميل من الساحل، ويزيد ارتفاع صنعاء على ٧٠٠٠ قدم فوق سطح البحر، وهي لذلك من أصح المدن وأجملها في بلاد العرب، ويروي "الإصطخري" أنه ليس في الحجاز أبرد من جبل "غزوان" بجوار الطائف، وأنه ربما جمد الماء في ذروته، وأشار الهمداني إلى جمود الماء في صنعاء، ويضيف "جلازر" إلى هذين الموضعين جبل "حضور الشيخ" في اليمن، الذي كثيرًا ما تسقط عليه الثلوج في الشتاء وأما الصقيع فهو أكثر من ذلك شيوعًا٢.

وتهب على عسير في الصيف الرياح الموسمية، سواء الغربية منها أم الجنوبية الغربية، فالأولى تصل إلى المنطقة من المحيط الأطلسي وتسبب سقوط الأمطار فوق


١ حافظ وهبة: المرجع السابق ص٦، عمر فروخ: المرجع السابق ص٣١، جواد علي ١/ ٢١٤.
٢ الإكليل ٨/ ٧ "طبعة أمين فارس، برنستون ١٩٤٠" الإصطخري: المسالك والممالك ص١٩ "طبعة ليدن ١٨٧٠" نزيه العظم: رحلة في بلاد العرب السعيدة ص١١٨ "القاهرة ١٩٣٨"، وكذلك. P.K. Hitti, A History Of The Arabs, P.١٨

<<  <   >  >>