للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التمور في السنوات الأخيرة، ولم تعد كما كانت من قبل عند البدوي، الذي كان قوام طعامه التمر والحليب، كما لم تعد كذلك منية البدوي أن يحصل على الأسودين الماء والتمر١.

وقد أفادت النخلة القوم فوائد جمة، حية وميتة، أفادتهم في تقديم ثمرة صارت إدامًا للعرب، وطبًّا يستطبون بها لمعالجة عدد من الأمراض، ومادة استخرجوا منها دبسًا وخمرًا وشرابًا٢، بل لقد ذهبوا في ذلك إلى أبعد من الفوائد المباشرة، فحلوا بها مشكلة الصراع بين الحرارة والملوحة، ذلك أن الإشعاع الشمسي الهائل يرفع البخر إلى درجة تهدد الموارد الباطنية بالنفاد وسط التربة الزراعية بالاستملاح المتزايد، ولهذا لجأ القوم إلى النخيل، لا كغذاء فقط، وإنما لتستظل به الزراعة، ولهذا تمتاز بعض الواحات بعدة ملايين من النخيل، تقوم كالغابة الحقيقية، بينما ترقد عند أقدامها وبين جذوعها الزراعات، وهكذا تصبح الواحة بحق "غابة الصحراء" والنخلة عن جدارة "مظلة الواحة"٣.

ولقد أدت تلك الفوائد الجمة للنخلة أن أصبحت "سيدة الشجر" لا عند العرب فحسب، بل عند قدماء الساميين جميعًا، وأحيطت عندهم بهالة من التقديس والتعظيم، وقد عثر على صورها وصور سعفها على النقود القديمة، وفي جملتها نقود العبرانيين، الذين يحترمون النخلة احترامًا لا يقل عن احترام العرب لها، ومن ثم فقد ورد ذكرها في مواضع عديدة من التوراة والتلمود٤، ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن ملكة الأشجار العربية هذه، غير عربية الأصل، فقد نقلت إلى بلاد العرب من بابل، حيث كانت شجرة النخل من أعظم العوامل التي اجتذبت الإنسان القديم للتوطن هناك٥.


١ فيليب حتى: المرجع السباق ص٢٣، وانظر ابن قتيبة: عيون الأخبار ٣/ ٢٠٩-٢١٣ "القاهرة ١٩٣٠"، السيوطي: حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ٢/ ٢٥٥ "القاهرة ١٣٢١هـ".
٢ جواد علي ١/ ٢٠٧.
٣ جمال حمدان: أنماط من البيئات ص٩٥-٩٦.
٤ جواد علي ١/ ٢٠٧، لاويون ٢٣: ٤٠، نحميا ١٨: ١٥ مكابيين أول ١٣: ٥١ وكذا
J. HASTINGS, DICTIONARY OF THE BIBLE, P.٦٧٦
٥ P.K. HITTI, OP. CIT., P.١٩-٢٠

<<  <   >  >>