للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما هي لسان آدم قبل أن ينحرف إلى السريانية١، أي أنهم يجعلون "يعرب بن قحطان" هذا، إنما يرجع إلى مبدأ الخليقة، ومن نافلة القول أن نقول: إن الأمر لم يكن كذلك.

هذا فضلا عن أن هؤلاء الذين ينادون بقحطانية اللغة العربية، إنما يجهدون أنفسهم ليأتوا بالغث والسمين من الروايات لإثبات صحة ما يذهبون إليه، من أن القحطانيين هم أصل العرب، وأن لسانهم هو لسان العرب الأول، ومنهم تعلم العدنانيون العربية٢، حتى ذهب البعض منهم إلى أن يكون دليله القاطع على صحة ما ذهب إليه أبياتا من شعر "حسان بن ثابت"٣، وتجاهل أصحاب هذا الاتجاه أن شعر حسان هذا جدّ متأخر، بحيث لا يمكن أن يكون دليلنا على أول من نطق بالعربية، فضلا عن أن الصحابي الجليل قحطاني، ومن ثم فربما كان متعصبًا لقومه في شعره. هذا، ويبدو أن فريقًا من أصحاب هذا الاتجاه قد تنبهوا إلى ذلك، ومن ثم فقد نسبوا إلى "يعرب" نفسه شعرًا عربيًّا فصيحًا، يقول فيه:

أنا ابن قحطان الهمام الأفضل ... وذو البيان واللسان الأسهل

نفرت والأمة في تبلبل ... نحو يمين الشمس في تمهل

وكنت منهم ذا الرعيل الأول٤


١ المزهر ١/ ٢٠، روح المعاني ٢/ ١٧٢ وأما اللغة السريانية، فهي لهجة آرامية قديمة، وهي كلغة متأخرة جدًّا من الناحية الزمنية عن اللغة العربية، وقد نشأت السريانية وترعرعت في إقليم مدينة "الرها"، "اديا" عند الرومان، و"أورفا" الحالية جنوب شرق تركيا"، ثم ظهر الخط السرياني المعروف "بالخط السرنجيلي" عقب الانشقاق المسيحي المذهبي بين سريان الرها في عام ٤٨٩م، ثم سرعان ما نشأت لهجتان من السريانية "غربية وتسمى اليعقوبية وشرقية وتسمى النسطورية"، وعلى أي حال، فلقد أصبحت السريانية لغة حية في العلم والفكر في الشرق حتى القرن العاشر الميلادي، وإن استمرت لغة الكنائس حتى القرن الثالث عشر الميلادي، ثم حلت محلها العربية بعد ذلك، وأما سبب استعمال السريانية، فإن اسم الآراميين هناك أصبح له مدلول وثني غير مستحب بعد انتشار المسيحية هناك، ومن ثم فقد سمى القوم أنفسهم بالاسم اليوناني "سوريين" بالنسبة للشعب، و"سرياني" بالنسبة للغة، تمييزًا لها عن الآراميات الوثنية واليهودية "انظر حسن ظاظا: المرجع السابق ص١١٥-١١٦، فيليب حتى: تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، الجزء الأول ص١٨٤-١٨٥". وهكذا يبدو واضحًا أن السريانية ظهرت بعد المسيح بقرون، وبعد "آدم" عليه السلام، بآلاف السنين.
٢ جواد علي ١/ ١٤-١٥، ثم قارن: مروج الذهب ٢/ ٤٦.
٣ الإكليل ١/ ١١٦.
٤ البكري ٤/ ١٤٠١.

<<  <   >  >>