للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تجعل "يعرب بن قحطان" أول الناطقين بالعربية فحسب، وإنما تجعل السريانية أقدم من العربية، وذلك حين جعلتها لغة الناس جميعًا، غير أن القوم قد انحرفوا إلى عبادة الأوثان، خنوعًا "للنمرود بن كوش بن كنعان بن حام" ملك بابل، وصاحب إبراهيم عليه السلام، ومن ثم فقد أصبح القوم ذات يوم، وقد بلبل الله ألسنتهم، فلا يفهم الواحد منهم الآخر، إذ "أصبح لبني سام ثمانية عشر لسانًا، ولبني حام ثمانية عشر لسانًا، ولبني يافث سنة وثلاثون لسانًا، ففهم الله العربية عادًا وعبيل وثمود وجديس عمليق وطسم وأميم وبني يقطن بن عابر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح"١.

وهكذا فالرواية إذن لا تجعل شرف السبق في النطق بالعربية مقصورًا على "عمليق" وإنما شاركه فيه آخرون، ثم إنها تؤرخ للحادث بعهد "نمرود" صاحب إبراهيم عليه السلام وإبراهيم -كما هو معروف- لا يعده الإخباريون من العرب العاربة، فضلا عن أن يكون من أقدم العرب زمانًا،٢، ومن ثم فكل من ذكرهم الإخباريون على أنهم أصحاب السبق في النطق بالعربية، تأتي هذه الرواية فتجعلهم لا ينطقون بها إلا على أيام النمرود، صاحب إبراهيم عليه السلام "١٩٤٠-١٧٦٥ق. م".

وأخيرًا، فالرواية تحريف لرواية توراتية، أراد كاتبها أن يقدم لنا تفسيرًا لاختلاف اللغات والأجناس٣ -كما فعلت الرواية العربية- فقدم لنا تفسيرًا ساذجًا غير علمي، ذهب فيه إلى أن الله سبحانه وتعالى قد رأى أن سلالة الناجين من الطوفان يبنون برجًا بغية الوصول إليه في علياء سمائه، وكانوا يحسبون السماء أشبه بلوح زجاج يعلو بضع مئات من الأمتار، فخشي شرهم واحتاط لنفسه فهبط الأرض وبلبل ألسنتهم، فتقرقوا شذر مذر، ومن ثم فقد سميت المدينة "بابل"، لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض، ثم بددهم على وجه الأرض٤، أضف


١ تاريخ الطبري ١/ ٢٠٧-٢٠٨، البكري ١/ ٢١٩، الأخبار الطوال ص٢، المحبر ص٣٨٢-٣٨٥، أخبار الزمان للمسعودي ص٢٠٤، ٢٠٩، تاريخ الطبري ١/ ٢٨٨-٢٩٠، ابن الأثير ١/ ١١٥، تاريخ الخميس ص٩٥-٩٦.
٢ انظر: الفصل الرابع من كتابنا "دراسات في التاريخ القرآني"، كتابنا "إسرائيل" ص٦٠-٢١٤
٣ تكوين ١١: ١-٩.
٤ عصام حفني ناصف: محنة التوراة على أيدي ص٤٢ وكذا تكوين ١١: ١-٩
وكذا J. Gray, Near Eastern Mythology, P.١٠٤

<<  <   >  >>