-عربية القرآن الكريم- وأن شعرهم المزعوم هذا، إنما هو بعربية الشمال، وليس الجنوب، على أن العجب قد يزول، إذا عرفنا أن هؤلاء الذين ينسبون الآن إلى سبأ شعرًا، إنما قد نسبوا إلى آدم وإبليس -بل وحتى الجن- شعرًا عربيًّا فصيحًا كذلك.
أما أن سبأ قد بنى سبأ وسد مأرب، فيكذبه أن التاريخ لا يعرف حتى الآن مدينة باسم سبأ، وأما بناء سد مأرب١، فتلك دعوى عريضة، وإن كانت تفتقر إلى الصواب تمامًا -الأمر الذي ناقشناه بالتفصيل في الجزء الأول من كتابنا "دراسات في التاريخ القرآني".
وأما النصوص العربية الجنوبية، فليس فيها شيء عن سبأ أو عن لقبه المزعوم، وكل ما فيها إنما يتحدث عن شعب يدعى "سبأ" له دولة، وله حكام، وله آلهة، كغيره من شعوب العربية الجنوبية، وإن كان مما لا ريب فيه أن المصادر التاريخية قد تحدثت عن دولة سبأ، أكثر من غيرها من دول العربية الجنوبية.
١ تختلف روايات الأخباريين فيمن بنى سد مأرب، فرواية تذهب إلى أنه سبأ، وأخرى أنها بلقيس، وثالثة تذهب إلى أن سبأ قد بدأ بناء السد ثم أكمله ولده حمير، ورابعة ترى أنه لقمان بن عاديا أو لقمان الأكبر العادي "مروج الذهب ٢/ ١٦٠-١٦٢، ياقوت ٤/ ٣٤-٣٥، الدميري ١/ ٤٤٥، تاريخ ابن خلدون ٢/ ٥٠، ابن كثير ٢/ ١٥٩، وفاء الوفا ١/ ١١٧، تفسير الطبري ٢٢/ ٧٨-٨٠، تفسير روح المعاني ٢٥/ ٢٥١"، ومع ذلك فإن آثار السد نفسه تكذب كل تلك الأساطير، فهو -كما سوف نعرف فيما بعد- قد بناه "سمه علي ينوف" ثم ولده -"يثع أمر بين"، ثم أخذ الملوك بعد ذلك يضيفون إليه أجزاء أخرى، فضلا عن تقوية أجزائه القديمة.