للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأنباط، ومن التجار والبحارة الذين كانوا يتوغلون في تلك البلاد، وتعد الإسكندرية من أهم المراكز التي كانت تُعنى عناية خاصة بجمع المعلومات عن بلاد العرب وعن عادات سكانها، وما ينتج فيها لتقديمها إلى من يرغب فيها من تجار البحر المتوسط، وقد استقى كثير من كتاب الإغريق والرومان معارفهم عن بلاد العرب من هذه المصادر التجارية العالمية١.

على أنه يجب علينا أن نلاحظ أن هؤلاء الكتاب الكلاسيكيين إنما كانوا يحكمون على ما يرونه ويسمعونه من وجهة نظرهم هم وحسب عقليتهم وإدراكهم وتأثرهم بعادات بلادهم وديانتها، فضلا عن أنهم لم يكونوا يعرفون لغة البلاد التي كانوا يصفونها أو يتحدثون عن تاريخها، ومن ثم فقد اعتمدوا -كما أشرنا من قبل- على أفواه محدثيهم، وجلهم من مستوى لا يزيد عنهم كثيرًا في معرفته لتلك اللغات، أضف إلى ذلك أن كثيرًا منهم قد أساءوا فهم ما رأوه، أو ذهب بهم خيالهم كل مذهب في تفسير أو تعليل ما سمعوه، أو وقعت عليه أبصارهم٢، بل إن بعضهم قد ذهب إلى وجود أصل مشترك بين بعض القبائل العربية واليونان، ولعل إن بعضهم قد ذهب إلى وجود أصل مشترك بين بعض القبائل العربية واليونان، ولعل في هذه الفكرة -رغم سذاجتها- ما فيها من إشارات إلى علاقة ممعنة في القدم بين سكان شبه الجزيرة العربية، وبين سكان البحر المتوسط الشماليين٣.

ولعل أقدم من تحدث عن العرب من اليونان هو "إسكليوس" "٥٢٥-٤٥٦ق. م"، ثم جاء من بعده المؤرخ اليوناني المشهور "هيرودوت" "حوالي ٤٨٤-٤٣٠ق. م" الذي ندين له بأول عرض رحيب عن مصر ظل سليمًا حتى اليوم، وأما كتابه الثاني "يوتربي" "Euterpe"، فإنه غير مطرد وقصصي كما أنه يميل إلى الانحراف الذي يتسلسل إلى رواية ملحمة الكفاح بين الفرس والهلينيين، وقد تعرض "هيرودوت" لذكر العرب عند الحديث عن الحروب التي قامت بين فارس ومصر على أيام الملك الفارسي "قمييز" "٥٣٠-٥٢٢ق. م"، ورغم ما لهيرودوت من سمعة طيبة في عالم التاريخ، حتى دعاه "سيشرون" بأبي التاريخ"،


١ جواد علي: المرجع السابق ص٥٦.
٢ أحمد فخري: مصر الفرعونية، القاهرة ١٩٧١ ص٦٠.
٣ جواد علي ١/ ٥٧.
وكذا Charles Forster, The Historical Geography Of Arabia, I, P.Xxxvi
وكذا Pliny, Natural History, Vi, P.٣٢, Ii, P.٧١٨

<<  <   >  >>