للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أن هذه الألقاب الملكية التي كان يحملها "شعر أوتر" و"الشرح يحصب" وأخيه "يأزل بين"، فضلا عن "لعززم يهنف يصدق"، والذي رأى فيه بعض الباحثين ملك "ظفار" ومجاوراتها، هذا إلى جانب ملك خامس يدعى، "لحيعثت يرخم"، كل ذلك يدل على أن واحدًا لم يستطع أن يحمل اللقب بمفرده، وأن هناك آخرين ينازعونه سلطانه، وربما استطاعوا آخر الأمر انتزاع العرش نهائيًّا، كما فعل "الشرح يحصب" وأخوه١.

أضف إلى ذلك أن النصوص من تلك الفترة، إنما تدل على أن البلاد كانت تمر بفترة اضطراب وقلق، وأن الحرب ما تكاد تضعب أوزراها في مكان، حتى تدق طبولها في مكان آخر، ثم تشتعل نيرانها في مكان ثالث، وفي أغلب الأحايين كانت سجالا بين المتحاربين، وأن المغلوب منهم، سرعان ما يعود بعد حين، فيقف على قدميه ويحمل سيفه من جديد، على أن الخاسر الوحيد فيها دائمًا، إنما كان هو الشعب، يدفع ثمنها من دمه وماله، حيث تساق العامة منه إلى ميدان القتال فتسمع وتطيع، وإلا صب عليها من العذاب ألوانًا، أشد قسوة من أهوال الحروب، وفي كل ذلك لا هدف يرجي إلا إشباع شهوات الحكام، وإرضاء رغباتهم في تحقيق أمجاد شخصية، سرعان ما تزول بعد رحيلهم عن هذه الدنيا، وربما في أحايين كثيرة قبل أن يرحلوا إلى عالم الآخرة.

وإلى هذه الفترة العصيبة من تاريخ اليمن، ترجع -فيما يرى كثير من الباحثين- حملة الرومان على العربية الجنوبية، فإذا كان ذلك كذلك، فإن ملوك سبأ وذي ريدان ما كانوا بقادرين على صدها، فالفرقة من ناحية، وضعف الإمكانيات من ناحية أخرى إنما يقفان حجر عثرة في سبيل ذلك.

ويحدثنا التاريخ أن الرومان بعد أن استولوا على أرض الكنانة، بعون من الأنباط، استطاع به "يوليوس قيصر" أن يقبض على ناصية الأمور في الإسكندرية عام ٤٧ق. م٢، بدأ الرومان في نفس الشيء بالنسبة إلى بلاد العرب، وهكذا كان مشروع حملة "إليوس جالليوس" عام ٢٤ق. م، للاستيلاء على اليمن، لكثرة


١ جواد علي ٢/ ٣٨٧-٣٨٨. وكذا A. JAMME, OP. CIT., P.١٣٤, ٣٠٦
٢ جواد علي ٢/ ٤٠، وكذا DIE ARABER, I, P.٣٦٠
وكذا H. VON WISSMANN AND M. HOFNER, OP. CIT., P.٥٤١
وكذا MURRY, THE ROCK CITY PETRA P.١٠١

<<  <   >  >>