للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن العظة من قصة النبي الكريم سيدنا صالح عليه السلام، هذا إلى أن الثموديين إنما كانوا يقيمون في شمال بلاد العرب في القرن الثامن ق. م، كما تدلنا على ذلك النصوص الآشورية١، بينما نحن الآن نتحدث عن حمير في فترة تقرب من الميلاد بقليل أو كثير، وأما أنه كان في عصر إبراهيم عليه السلام، فتلك مبالغة، بخاصة إذا ما علمنا أن الخليل كان يعيش في الفترة "١٩٤٠-١٧٦٥ق. م"٢، والأمر كذلك بالنسبة لمن جعلوه قبل عاد وثمود، وكذا بالنسبة إلى الفترة التي عاشها في هذه الدنيا.

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى لقب "تبع" -وجمعه التبابعة- والذي ظهر في تلك الفترة، من تاريخ اليمن القديم، وهو لقب مجهول الأصل كان يطلق على الملوك٣، ومن ثم فقد أصبح المؤرخون والمفسرون في حيرة من تفسير المراد به، فهناك من يرى أن الملوك قد سموا به لأنهم إنما كانوا يتبعون بعضهم البعض الآخر في الملك وفي السيرة، وهناك من يرى أن "التبع" ملك يتبعه قومه ويسيرون تبعًا له، أو لكثرة أتباعه أو من التتابع٤، ولست أظن أنهم كانوا في ذلك يختلفون عن غيرهم من الملوك، فالملكية بطبيعتها نظام وراثي، ثم إن الملك إنما يتبعه قومه، لأنه صاحب الأمر فيهم، كما أن أتباعه لا بد وأن يكونوا من الكثرة بحيث يكونون ممكلة.

وهناك من يفرق بين لقب "تبع" ولقب "ملك"، فذهب إلى أن اللقب الأول لا يلقب به إلا من يملك اليمن والشحر وحضرموت، وقيل حتى يتبعهم "بنو جشم بن عبد شمس"، فإن لم يكن كذلك فهو ملك، وليس تبعًا٥، وأن أول من حمل لقب "تبع" إنما كان "الحارث بن ذى شم" "الرائش"، وأن هذا اللقب قد استمر حتى زال سلطانهم حين استولت الحبشة على اليمن٦، ولعلهم في هذا


١ انظر: Anet, P.٢٨٧ وكذا A. Van Den Branden Histoire De Thamoud,
وكذا Les Textes Thamoudeens De Philby, ١٩٥٦,
وكذا Les Inscriptions Thamoudeens, ١٩٥٠.
٢ انظر عن عصر إبراهيم كتابنا إسرائيل ص١٧١-١٧٧.
٣ تفسير القرطبي ١٦/ ١١٤، الإكليل ٨/ ٦٩-٧٠، وكذا
F. Hommel, Explorations In Arabia, P.٧٢٧-٤١
٤ تاج العروس ٥/ ٣٨٧، اللسان ٨/ ٣١، حمزة الأصفهاني: المرجع السابق ص٨٢، تاريخ ابن خلدون ٢/ ٥٠-٥١، تفسير البيضاوي ٢/ ٣٧٧.
٥ ابن كثير ٢/ ١٥٩، تاج العروس ٥/ ٢٨٧، الإكليل ٢/ ٥٥.
٦ صبح الأعشي ٥/ ٤٨٠.

<<  <   >  >>