للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم كيف آمن "تبع" برسول الإسلام الأعظم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل مبعثه بنحو من سبعمائة عام- كما يروي الأخباريون١- ألمجرد أن الحبرين اليهوديين قد أخبراه أن يثرب سوف تكون مهاجرًا لنبي يخرج من قريش؟ لا أظن أن ذلك سببًا كافيًا لإيمانه بنبي كان حتى تلك اللحظة ما يزال في ضمير الغيب، أضف إلى ذلك أن الفترة بين عهد "أب كرب أسعد" وبين مبعث المصطفى، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليست سبعة قرون بحال من الأحوال، فإذا كان الرجل قد مات في حوالي عام ٤١٥م- أو عام ٤٢٠م، أو حتى عام ٤٣٠م- كما سوف نرى، وإذا كان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قد انتقل إلى الرفيق الأعلى في يونية ٦٣٢م٢، فإن الفرق بين وفاتهما لا تصل إلى أكثر من قرنين من الزمان.

ومن ثم فأكبر الظن، أن هناك -بجانب الإسرائيليات في هذه الروايات -هدفًا من ورائها، يقصد منه رفع شأن القحطانيين إبان النزاع السياسي بينهم وبين العدنانيين، ومن ثم فإن هذه الروايات جد حريصة على أن تقدم لنا "تبعًا" وقومه في صورة أفضل من صورة العدنايين بصفة عامة، والقرشيين بصفة خاصة، فهم -أي القحطانيين- كانوا "أولًا" أول من قال الشعر في مدح المصطفى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فعل ذلك سبأ، كما أشرنا من قبل، ويفعله الآن "تبان أب كرب أسعد" وهم "ثانيًا" كانوا على علم باسم المصطفى -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ- وبعثته، بينما لم يكن العدنانيون يعرفون ذلك حتى ظهور الإسلام، وهم "ثالثًا" قوم مؤمنون، كسوا البيت وعمروه أكثر من مرة، قد قدروا مكانته قبل ظهور الإسلام بقرون، حتى إن كان اليهود هداتهم إلى ذلك.


١ تفسير ابن كثير ٤/ ١٤٤.
٢ أرجح الآراء فيما نظن، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ولد في ٩ ربيع الأول" ٢٠ أبريل ٥٧١/" وانتقل إلى الرفيق الأعلى في ١٢ أو ١٣ ربيع الأول عام ١١هـ "٧ أو ٨ يونية ٦٣٢م" "انظر: محمود باشا الفلكي: التقويم العربي قبل الإسلام ص٣٨، محمد عبد الله دراز: مدخل إلى القرآن الكريم ص٢٢، ٣١، ٣٢، عبد المنعم ماجد: المرجع السابق ص٩٥-٩٦، تاريخ الطبري ٢/ ١٥٤-١٥٥، ابن الأثير ١/ ٤٥٧-٣٥٨، ابن كثير البداية والنهاية ٢/ ٢٦١-٢٦٢
وكذا Caussin De Perceval, Essi Sur L'histoire Des Arabes, I, P.٢٨٦f
وكذا P. Lammens, Age De Mohammad, P.٢٠٩f
وكذا R. Blachere, La Probleme De Mohamet, P.١٥

<<  <   >  >>