للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالفن البيزنطي، وإن جمعت كنيسة القليس بين الفن العربي القديم، والفن البيزنطي النصراني في بناء الكنائس١.

هذا وقد لجأ أبرهة في بناء "القليس" إلى السخرة، فضلا عن القسوة الشديدة التي كانت تصل إلى حد قطع يد العامل، إن تهاون أو تكاسل في عمله، ويروي "ياقوت الحموي" أن أبرهة استذل أهل اليمن في بناء هذه الكنيسة وجشمهم فيها أنواعًا من السخرة، وكان ينقل إليها أدوات البناء كالرخام والحجارة المنقوشة بالذهب من قصر بلقيس، صاحبة سليمان عليه السلام، وكان من موضع هذه الكنيسة على فراسخ، وكان فيه بقايا من آثار ملكهم، فاستعان بذلك على ما أراده من بناء هذه الكنيسة وبهجتها وبهائها٢.

وأيًّا ما كان الأمر ففي عام ٥٧٠م، أو ٥٧١م، مات أبرهة بعد فشله الذريع في حملته المنكودة على مكة المكرمة، وخلفه ابنه "يكسوم" لفترة لا ندري مداها على وجه التحقيق٣، ويبدو أنه مارس الحكم منذ أيام أبيه، حين اختاره- فيما يرى جلازر- حاكمًا على أرض معاهر٤، وعلى أي حال، فلقد كان "يكسوم" هذا شرًّا من أبيه، كما كان أخوه وخليفته "مسروق" شرًّا من الاثنين، ويرى الأخباريون أنه حكم ثلاث سنين انتهت بقتله، وبخروج الأحباش من اليمن٥، بعد حكم دام نحو مائتي سنة على رأي، واثنتين وسبعين على رأي آخر٦، وإن كان الصحيح -فيما يرى العلماء المحدثون- أنه لم يدم أكثر من سبع وأربعين سنة "٥٢٥-٥٧٢م"، على رأي، وقرابة نصف قرن "٥٢٥-٥٧٥م" على رأي آخر٧؛ وذلك لأن هؤلاء الباحثين إنما يرون أن حملة أبرهة على مكة المكرمة "عام الفيل" إنما كانت في عام ٥٥٢م على رأي٨، وعام ٥٦٣ على رأي آخر٩، وكلاهما يخالف المعهود من أن الحملة إنما كانت في عام ٥٧٠م، أو عام ٥٧١م.


١ هـ. ج. ويلز: موجز تاريخ العالم ص١٩٣.
٢ ياقوت ٤/ ٣٩٤-٣٩٦، تفسير روح المعاني ٣٠/ ٢٣٣.
٣ مروج الذهب ٢/ ٥٥، موسكاتي: المرجع السابق ص٢١٦، الأخبار الطوال للدينوري ص٦٣، حمزة الأصفهاني: المرجع السابق ص٨٩.
٤ جواد علي ٣/ ٥٠٤ وكذا E. Glaser, Mvg, P.٤٢٠, ٤٦١
٥ مروج الذهب ٢/ ٥٧، تاريخ الطبري ٢/ ١٣٩، المقدسي ٣/ ١٨٨.
٦ ابن الأثير ١/ ٤٥٠، مروج الذهب ٢/ ٥٧.
٧ فؤد حسنين: المرجع السابق ص٢٦٥، وانظر: سعد زغلول: المرجع السابق ص١٩٩، جرجي زيدان: المرجع السابق ص١٤١-١٥١.
٨ جواد علي ٣/ ٥٠٠، وكذا Le Museon, ١٩٦٥, ٣-٤, P.٤٢٧-٢٨
٩ جواد علي ٣/ ٤٩٦، وكذا Le Museon, ١٩٦٥, ٣-٤, P.٤٢٧

<<  <   >  >>