السبب الذي يرجع إليه هذا الفارق بين الأسرتين فقد يرى بعضهم أنه يرجع إلى النسب المدخول، وقد رمي الأمويون الأوائل بشبهات كثيرة في عمود النسب، وعرض لهم بذلك أناس من ذوي قرباهم في صدر الإسلام، وأشهر ما اشتهر من هذه الشبهات قصة "ذكوان" الذي يقولون أنه من آبائهم، ويقول النسابون أنه عبد مستلحق على غير سنة العرب في الجاهلية، وعلى أي حال، وأيا ما كان سر هذا الفارق البين، فلقد كان بنو هاشم -أسرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحاب رئاسة، وكانت لهم أخلاق رئاسة، عرفوا بالنبل والكرم والهمة والوفاء والعفة، وبرزت كل خليقة من هذه الخلائق في حادثة مأثورة مذكورة، فلم تكن خلائقهم هذه من مناقب الأماديح التي يتبرع بها الشعراء، أو من الكلمات التي ترسل إرسالا على الألسنة ولا يراد بها معناها.
ويبلغ هذا التنافر بين الأسرتين شأوًا بعيدًا، فيما بين عبد المطلب وحرب بن أمية، إذ كان كلاهما نمطا في بابه، ويروي المؤرخون أن حربا نافر عبد المطلب إلى نفيل جد عمر بن الخطاب، وإن رأى البعض أن المنافرة إنما كانت مع هاشم، وأن نفيلا قد قضى فيها لعبد المطلب، وأنه خاطب حربا قائلا:"أتنافر رجلا هو أطول منك قامة، وأعظم منك هامة، وأوسم منك وسامة، وأقل منك لامة، وأكثر منك ولدا، وأجزل منك صفدا، وأطول منك مذودا"١.
وأما في الإسلام، فقد كان بنو أمية حجر عثرة في سبيل الدعوة الإسلامية وناصبوها العداء الشديد، إلا قليلا منهم ممن هداهم الله للإسلام، وبعد هجرة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- إلى المدينة المنورة واشتباك المسلمين مع مشركي قريش، كان عتبة بن ربيعة بن عبد شمس قائد الجيش في غزوة بدر، وكان أبو سفيان قائد العير، وفي غزوتي أحد والأحزاب، كان أبو سفيان قائدا للجيش، بل إن أبا سفيان، حتى بعد إسلامه يوم فتح مكة، فقد كان -وكذا ولده معاوية- من المؤلفة قلوبهم، فضلا عن أنه هو القائل بعد اضطراب المسلمين في غزوة حنين والأزلام في كنانته "لا تنتهي هزيمتهم دون البحر"، تعبيرا عما في نفسه من
١ العقاد: مطلع النور ص١١٨-١٢٠، وانظر: بلوغ الأرب "١/ ٣٠٧-٣٠٨، أعلام النبوة للماوري ص١٣٨ "القاهرة ١٩٣٥"، عبد الفتاح شحاتة: تاريخ الأمة العربية قبل ظهور الإسلام ٢/ ٢٤٩-٢٥٠.