للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان أمر ضيافة الحجيج عملا لا يقل عن سقايتهم، وقد أسندتها قريش إلى الأغنياء من رجالاتها؛ لأن قدوم الحجاج من أماكن بعيدة من شبه الجزيرة العربية، يصعب معه حمل الزاد، ومن ثم فقد كانت الرفادة تكلف أصحابها الكثير من أموالهم، بجانب ما تقدمه قريش لهم، إلا أن هذا الأمر في الوقت نفسه قد أفاد قريشًا كثيرًا، إذ كانت المؤاكلة في نظر العرب، إنما عقد حلف وجوار، فضلا عن أن الضيافة في ذاتها من أكبر ما يحمد الرجل عليه، وهكذا كانت قريش بعملها هذا، وكأنها تعقد حلفا مع كل القبائل العربية، تحمي به تجارتها، وتسبغ على رجالاتها نوعًا من التقدير والاحترام عن العرب، لا يتوفر لغيرهم١.

وخطت قريش خطوة أخرى في اجتذاب القبائل العربية، فنصبت أصنام جميع القبائل عند الكعبة٢، فكان لكل قبيلة أوثانها تأتي في الموسم لزيارتها وتقديم القرابين لها، وهكذا أخذ عدد الأصنام يزداد عند الكعبة بمرور الزمن، حتى جاء وقت زاد عددها على ثلاثمائة، كان منها الكبير ومنها الصغير، ومنها ما هو على هيئة الآدميين أو على هيئة بعض الحيوانات أو النباتات، وإن كان أكبرها جميعًا إنما هو "هبل" الذي جعله القوم على هيئة إنسان من عقيق أحمر٣.

ويبدو أن الأساس الذي قامت عليه مكانة الكعبة، أن البيت الحرام بجملته كان هو المقصود بالقداسة، غير منظور، إلى الأوثان والأصنام التي اشتمل عليها، وربما


١ ابن هشام ١/ ١٤٥، ابن سعد ١/ ٥٨.
٢ تعرضت الكعبة قبيل الإسلام لعدة سيول في أوقات مختلفة، أدت إلى تصدع جدرانها، مما اضطر القوم إلى هدمها وإعادة بنائها، ويكاد يجمع المؤرخون أن ذلك تم، والمصطفى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الخامسة والثلاثين من عمره الشريف، فإذا كان ذلك كذلك، وإذا كان المولد النبوي في ٢٠ أبريل ٥٧١م -كما حدده محمود الفلكي- فإن إعادة بناء الكعبة إنما كان في عام ٦٠٦م "انظر: الطبري ٢/ ١٨٧-٢٩٠، ابن كثير ٢/ ٤٢-٤٥، المسعودي ١/ ٢٧١-٢٧٣، ابن كثير ٢/ ٢٩٩-٢٠٤، ياقوت ٤/ ٤٦٦، الأزرقي ١/ ١٥٧-١٦٧، اليعقوبي ١/ ٢٥٤-٢٥٥، العمري ١/ ٦٤، المقدسي ٤/ ١٣٩-١٤٠، ابن هشام ١/ ١٩٢-١٩٩، التقويم العربي قبل الإسلام ص٣٨، تفسير الطبري ٢/ ١٢٢-١٢٣، تاريخ الخميس ص١٢٦-١٣٦، نهاية الأرب ١/ ٢٣٢، مدخل إلى القرآن الكريم ص٢٥-٢٦، وكذا A. GUILLAUME, OP. CIT., P.٢٣
وكذا I. SHAHID, IN CHI, I, ١٩٧٠, P.٣١
٣ تاريخ اليعقوبي ١/ ٢٥٤-٢٥٥، الروض الأنف ٢/ ٢٧٦، الأزرقي١/ ١٢٠-١٢١، لوبون: حضارة العرب ص١٢٤، تاريخ التمدن الإسلامي ١/ ٣٧، الأصنام ص٢٧-٢٨، وكذا
E. GIBBON, OP. CIT., P.٢٢٥

<<  <   >  >>