للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعل هذه المكانة الفريدة للكعبة هي التي دفعت بأصحاب القوة في تلك الأيام إلى محاولة هدمها، أو على الأقل انضوائها تحت لوائهم، فعل ذلك "حسان بن عبد كلال" ولكن أمره انتهى بفشل ذريع، وبأن يصبح أسيرا في مكة سنوات ثلاث١، وفعل ذلك أبرهة الحبشي، ولكن الله سبحانه وتعالى: {أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} ٢، وفي هذا العصف المأكول كان أبرهة نفسه٣، وقد ناقشنا ذلك كله بالتفصيل في الجزء الأول من كتابنا "دراسات في التاريخ القرآني".

وتمضي السنون، ويغير الرومان بمرور الزمن من سياستهم نحو العرب، ويرون أن الوسائل غير المباشرة ربما كانت أجدى في السيطرة على شبه الجزيرة العربية، ومن ثم فقد كانوا من وراء حملة أبرهة على مكة، وحين تفشل هذه، ويطرد الأحباش من اليمن، يعملون على تمليك سيد من العرب على مكة يدين بالولاء لهم، ومن ثم فقد ارتضى قيصر أن يكون "عثمان بن الحويرث" ملكًا على مكة من قبله، وإن باءت محاولته هذه بالفشل كذلك٤.

وليس من شك في أن هذه المحاولة السياسية، إنما غرضها غرض تلك المحاولة العسكرية، وأن المحاولتين قد فشلتا، وبقيت مكة -كما أراد الله، ولحكمة لا


١ تاريخ الطبري ٢/ ٢٦٢-٢٦٣، الإكليل ٢/ ٣٥٧-٣٥٩، جواد علي ٥٨٤-٥٨٥
٢ سورة الفيل: آية ٣-٥.
٣ انظر عن حملة الفيل: ابن الأثير ١/ ٤٤٢-٤٤٧، ابن كثير ٢/ ١٧٠-١٧١، تفسير ابن كثير ٨/ ٥٠٣-٥١١، تفسير النيسابوري ٣٠/ ١٦٣، الكشاف ٣/ ٢٨٨، الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٦/ ٣٩٤، في ظلال القرآن ٨/ ٦٦٤-٦٧٥، تفسير روح المعاني ٣٠/ ٢٣٤-٢٣٧، ابن هشام ١/ ٤٨-٦٩، تاريخ اليعقوبي ١/ ٢٥٢-٢٥٣، صحيح الأخبار ٤/ ٢١-٢٢، مروج الذهب ١/ ١٠٤-١٠٦، تفسير البيضاوي ١/ ٥٧٦، تفسير الطبري ٣٠/ ٣٠٠-٣٠٤، تفسير القرطبي ص٧٢٧٧-٧٢٩٠ "طبعة الشعب" تفسير الرازي ٣٢/ ٩٦-٩٧، دلائل النبوة للأصبهاني ص١٠٠، الأزرقي ١/ ١٤١-١٤٩، ياقوت ٣/ ٥٣-٥٤، ٥/ ١٦١-١٦٣، مطلع النور ص١١٤.
٤ العقاد: المرجع السابق ص١١٤-١١٥، ابن هشام ١/ ٢٢٤، ابن حزم: جمهرة أنساب العرب ص١١٨، شمال الحجاز ص٣١، الروض الأنف ١/ ١٤٣٦، الأغاني ٣/ ١١٢، العقد الثمين ١/ ١٥٣، شفاء الغرام ٢/ ١٠٨-١٠٩، جواد علي ٤/ ٣٩-٤٠.

<<  <   >  >>