للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الله على فرعون وطئ الشام وأهلك من بها من الكنعانيين، أو أنه بعث إليهم بعثا أهلك من بها، ثم بعث بعثا آخر إلى الحجاز، للعماليق الذين كانوا يسكنون المدينة قبل بني إسرئيل، وكانوا أهل بغي وغزو، ملكوا على أنفسهم رجلا يقال له "الأرقم" وتذهب الرواية إلى أن موسى كان قد بعث الجنود إلى الجبابرة من أهل القرى، فضلا عن جيش من بني إسرائيل كان قد بعثه إلى العماليق، وأمره أن يقتل القوم جميعًا ولا يستبقي منهم أحدا، وأن هذا الجيش قد كتب له نجاح بعيد المدى في مهمته هذه، فقتل العماليق جميعًا، ولم يبق على أحد منهم إلا ولدا للأرقم كان وضيئا فأشفقوا على شبابه، ومن ثم فقد حملوه إلى موسى ليرى رأيه فيه، غير أن موسى كان قد انتقل إلى الرفيق الأعلى قبل عودة الجيش بولد الأرقم، وقد اعتبر الإسرائيليون أن إبقاء الجيش على حياة ولد الأرقم خروج على تعليمات موسى، ومن ثم فقد رفضوا أن يسمحوا للعائدين بدخول الشام، مما اضطر هذا الجيش إلى العودة إلى المدينة والإقامة فيها، ومن ثم فقد كانوا أول من سكن المدينة من يهود١.

والقصة على هذا النحو توجه إليها سهام الريب من أكثر من جانب، وليس بالوسع القول بأنها ترقى إلى ما فوق مظان الشبهات، هذا إذا لم تكن هي نفسها شبهة؛ وذلك لأسباب كثيرة: منها "أولًا" أن هذا الرأي الذي ذهب إلى أن موسى عليه السلام قد وطئ الشام وأهلك الكنعانيين، لا أقول يتعارض مع الحقائق التاريخية فحسب، وإنما يتعارض كذلك مع آيات القرآن الكريم- فضلا عن نصوص التوراة- ولتقرأ هذه الآيات الكريمة من سورة المائدة، يقول سبحانه وتعالى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ، قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ، قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، قَالُوا


١ الأغاني ٣/ ١١٦، ١٩/ ٩٤، ياقوت ٥/ ٨٤، أبوالفداء ١/ ١٢٣، تاريخ ابن خلدون ٢/ ٨٧-٨٨ "القسم الأول" ٢/ ٢٨٦-٢٨٧ "القسم الثاني" "طبعة بيروت ١٩٧١، عن طبعة بولاق ١٢٨٤هـ" اب هشام ٢/ ١٧، جواد علي ٦/ ٥١٦-٥١٧، الإعلاق ص٦٠-٦١، الدرر الثمينة ص٣٢٤، المدينة بني الماضي والحاضر ص١٤-١٥، وفاء الوفا ١/ ١١١، خلاصة الوفا ص١٥٦-١٥٧، عبد الفتاح شحاتة، المرجع السابق ص٢٧١-٢٧٢، إسرائيل ولفنسون: تاريخ اليهود في بلاد العرب ص٦ "القاهرة ١٩٢٧"، الروض الأنف ٢/ ١٦.

<<  <   >  >>