للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حقًّا هذا الحديث -نثرًا وشعرًا- قالته النسوة اللآتي أشرنا إليهن؟، أم أن الأمر كله لا يعدو أن يكون أسطورة من أساطير الأخباريين، ولكنها هذه المرة مؤلمة، أشد ما يكون الألم، حيث تجعل أعراض العرب مستباحة ليهود.

ومنها "ثالث عشر" أن الذين يذهبون إلى صحة هذه الروايات الكذوب، لا يعرفون أم مسألة العرض مسألة تتصل بنفس الأصول التي قامت عليها العصبية القبلية بالمعنى المفهوم القديم، باعتبارها عاملا دمويا حيويا، فأساس العصبية هو الرباط الدموي القائم بين الأفراد، وأساس العرض هو الحرص -كل الحرص- على ألا يدنس هذا الرباط الدموي بحال من الأحوال١، ومن ثم فإن صيانة المرأة صيانة لعرض العشيرة كلها، بهدف الرغبة في الإبقاء على نقاء الدم فيها بعدم دخول غريب عليها مهما علا قدره٢، فما بالك إذا كان دخول هذا الغريب إلى دماء القبيلة ليس عن طريق الزواج، وإنما كان الاغتصاب وسيلته، وبأحط الطرق وأعنفها، وذلك بأن يقدم القوم ابنتهم بأنفسهم إلى هذا الرجل أو ذاك، ليفترعها أمام أعين أبناء القبيلة، وعلى مسمع من الشيبة والشبان فيها، فضلا عن الصبايا وذوات البعول.

ومنها "رابع عشر" هذا التشابه العجيب بين قصة الفيطون وقصة عملوق، فف كل منهما تنتهك أعراض القوم، حتى لا تهدى بكر إلى زوجها قبل أن تدخل على الفيطون أو عملوق فيفترعها، وفي كل من الروايتين للعروس أخ ذو حسب وجاه في قومه، يقتل الفاعل ثم يهرب إلى تبايعة اليمن، وإن ترددت قصة الفيطون بين ملوك اليمن وأمراءغسان، وفي كل من الروايتينن فإن المرأة هي التي تثور لشرفها، وتحرض الرجال من قومها على الانتقام لعرضها المستباح، وفي كل من الروايتين ينتهي الأمر بنصرة المظلومين عن طريق قوة تأتي من خارج القبيلة ... إلخ.

وسؤال البداهة الآن: والذي كان يجب أن يسأله لأنفسهم هؤلاء المتعصبون لصحة هذه الرواية وأمثالها، كيف قبل هؤلاء الإخباريون أن يجعلوا أعراض العرب مباحة لكل من يريدها؟ فمرة بينهم وبين بعضهم الآخر، كما في قصة بلقيس وقصة


١ مصطفى محمد حسنين: نظام المسئولية عند العشائر العراقية العربية المعاصرة - القاهرة ١٩٦٧ ص٦٢.
٢ نفس المرجع السابق ص٦١.

<<  <   >  >>