للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويرى المسعودي أن السريانيين إنما هم من النبط، وأن أهل "نينوى"-وكذا بابل- من السريان والنبط كذلك١، ويذهب أستاذنا الدكتور سعد زغلول٢، إلى أن المسعودي من بين آرائه العبقرية التي كانت مصدر إلهام "ابن خلدون" في "مقدمته"، نظرية تقول: إن النبط وملوكها ترجع في أنسابها إلى "نبيط بن هامش" ومنهم كل العرب البائدة من عاد وثمود وجديس وطسم وعمليق، إلى جانب "عيلام في الأهواز وفارس" و"نبيط في بابل والعراق"، فكأنه ربط بين تاريخ بلاد العرب القديم جميعًا.

غير أن الأمر، إن كان صحيحًا بالنسبة إلى القبائل العربية في بلاد العرب والعراق فقد يحتاج -فيما نظن- إلى إعادة نظر، فيما يختص بعيلام وفارس، وقد سكنتهما شعوب هندو أوربية، وليست عربية على أي حال.

ومهما يكن من أمر، فإن النبط الذين أشار إليهم الإخباريون، إنما هم من بقايا الآراميين في العراق والشام، وهم- وإن كانوا يتكلمون بلهجات ربما كانت عربية، إلا أنها بكنة غربية عن العربية- ربما كانوا غير النبط الذين نتحدث عنهم وقد عاشوا في العربية الحجرية، ولهم كتابات دونت بالأرامية، وأن فريقًا منهم قد عاش في "تدمر"٣.

وأما استعمال الأنباط للغة الأرامية، فلأنها اللغة الشائعة في ذلك العصر، بل إننا نرى الآرامية، منذ حوالي عام ٥٠٠ق. م، قد أصبحت لغة المراسلات الدولية في منطقة الشرق الأدنى القديم، كما أصبحت اللغة التي يستعملها سكان منطقة الهلال الخصيب -وكذا الأنباط٤- كما أنها سوف تصبح لغة المسيح وشعبه فيما بعد٥، فضلا عن أن الحروف العربية لم تكن قد وجدت بعد٦، ومن ثم فلا عجب إذا ما دون الأنباط أو غيرهم من العرب بالأرامية- لغة الفكر والثقافة- وتكلموا بلغة


١ مروج الذهب ١/ ٢٣، ٢٣٨-٢٤٢، ٢/ ٢٥-٢٦.
٢ سعد زغلول عبد الحميد: في تاريخ العرب قبل الإسلام ص١٣٦، وكذا مروج الذهب ٢/ ٢٥-٢٦
"دار الأندلس، بيروت ١٩٧٣".
٣ جواد علي ٣/ ١٣-١٤".
٤ انظر: J. Cantineau, Le Nabateen, ٢vols, Paris, ١٩٣٠, ١٩٣٢
٥ انظر: C.C. Torrey, Our Translated Gospehs, N.Y., ١٩٣٦
٦ فيليب حتى: المرجع السابق ص٤٢٧.

<<  <   >  >>