للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالث إلى أنها إنما كانت محبة للنصارى، ولكنها لم تكن نصرانية، بينما اتجه فريق رابع إلى أن المرأة لم تكن يهودية ولا نصرانية، وإنما كانت بين بين، كانت تعتقد بوجود الله -سبحانه وتعالى- وترى التوحيد، كما يراه الفلاسفة، وليس كما تصوره ديانة الكليم أو المسيح عليهما السلام١.

ويختلف المؤرخون كذلك في أصل الزباء، فذهب فريق منهم إلى أنها مصرية، وذهب فريق ثان إلى أنها من العماليق، وذهب فريق ثالث إلى أنها آدومية، واتجه فريق رابع إلى أنها من أصل عربي، ولكنها من دم مصري من ناحية الأم، بل إن المسعودي ليرى أنها رومية تتكلم العربية، ومع ذلك فإن الغالبية العظمى إنما تكاد تجمع على أنها عربية٢.

وأيا ما كان الصواب في هذه الروايات المتضاربة، فمما لا شك فيه أن شخصية تلك المرأة القوية لتعد واحدة من الشخصيات الهامة في تاريخ الشرق الأدنى القديم، ويصفها المؤرخون بأنها امرأة قوية الشخصية، قوية البنية، شجاعة جميلة، ذات هيبة ووقار، كانت تستوي في الجمال مع كيلوبترا، وإن فاقتها عفة وطهارة، وجرأة وشجاعة، كانت من ألطف بنات جنسها، وأكثرهن بطولة، كانت سمراء الوجه، ذات أسنان ناصعة البياض كاللؤلؤ، تفيض عيناها السوداوان حيوية غير عادية، مع رقة جذابة إلى أبعد حد، كان صوتها قويا مطربا، وكانت سيرتها أقرب إلى سير الأبطال، منها إلى سير النساء، فلم تكن تركب في الأسفار غير الخيل، وقد سارت على قدميها في بعض المرات عدة أميال على رأس الجيش، وكانت تلبس في المناسبات الرسمية ثوبا من الأرجوان موشى بالجواهر، مشدودا عند الحصر، وإذا ما استعرضت جيشها في الميادين العامة تمر أمام الصفوف فوق جوادها، وعليها لباس الحرب، وفوق رأسها الخوذة الرومانية، تاركة إحدى ذراعيها عاريا حتى الكتف -كما يفعل المحاربون من اليونان القدامى- تحرض جندها على الصبر في


١ جواد علي ٣/ ١١٢.
٢ مروج الذهب ٢/ ٦٩، تاريخ الطبري ١/ ٦١٧-٦١٨، إدوارد جيبون: إضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها، ترجمة محمد علي أبو ريدة ص٢٦٥، وكذا
W. Wright, Op. Cit., P.١٣١
وكذا سعد زغلول: المرجع السابق ص١٥٨.

<<  <   >  >>