للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإمبراطوريتان القديمتان دوام الحرب بين دولتي المناذرة والغساسنة -وهما أبناء عم ومن دم واحد- ولكنهما اضمحلتا واختفتا قبيل الفتح الإسلامي العظيم١، تاركتين الإمبراطوريتين وجها لوجه مع الهداة الجدد، حملة لواء الإسلام، وهداية القرآن، وسنة المصطفى -صلوات الله وسلامه عليه.

وهكذا قامت دولة الغساسنة للروم، مقابل دولة المناذرة للفرس، بمعنى أنها كانت دولة حاجزة "Buffer State" اتخذ منها الروم مجنا يقيهم شر هجمات البدو عليهم من أطراف الصحراء من جهة، وليثيروهم ضد الفرس ويستعينوا بهم عليهم من جهة أخرى٢، هذا إلى أن المناذرة إنما كانوا يجمعون الضرائب من القبائل العربية القريبة منهم، ويقدمونها للفرس، كما كان الغساسنة يجمعون مثل هذه الضرائب للروم٣.

وتاريخ دولة الغساسنة هذه غامض لقلة المصادر، ولامتزاج الحقائق فيه بالأساطير، ولضياع معظم آثار بني غسان، ومن ثم فلا تتفق المصادر العربية مع اليونانية إلا في النذر اليسير، بل إن المؤرخين العرب أنفسهم إنما يختلفون في عدد الملوك وأسمائهم وسني حكمهم٤، فهم عند "حمزة الأصفهاني" ٣٢ ملكا، وعند "أبي الفداء" ٣١ ملكا٥، وعند المسعودي وابن قتيبة إنما هم أحد عشر فقط٦، وأما "نولدكه" فالرأي عنده أن عددهم لا يتجاوز العشرة، وأنهم حكموا في الفترة "٥٠٠-٦٣٥م"، بل إن "هرشفلد" ليحددهم بسبعة فقط٧، ويرى "جرجي زيدان" أنهم سبعة عشر وأنهم حكموا في الفترة "٢٢٠-٦٣٣م"٨.


١ موسكاتي: المرجع السابق ص٢٠٤، قارن: ابن كثير ٢/ ٢١٨.
٢ محمد مبروك نافع: المرجع السابق ص١١١.
٣ عمر فروخ: تاريخ الجاهلية ص٦٨.
٤ راجع القوائم في: جواد علي ٣/ ٤٤٣-٤٤٧، جرجي زيدان: المرجع السابق ص٢-١، عبد اللطيف الطيباوي: المرجع السابق ص١٢.
٥ حمزة الأصفهاني: المرجع السابق ص٩٩، أبو الفداء ١/ ٧٢-٧٣، ابن خلدون ٢/ ٢٨٢.
٦ مروج الذهب ٢/ ٨٢-٨٦، المعارف ص٦٤٢، ابن خلدون ٢/ ٢٨١.
٧ جوا علي ٣/ ٤٤٦، هرشفلد، ديوان حسان بن ثابت ص٩٦، جرجي زيدان: المرجع السابق ص١٩٣، قارن: كتاب المحبرب لابن حبيب ص٣٧٢.
٨ جرجي زيدان: المرجع السابق ص١٩٧-١٩٨.

<<  <   >  >>