كتاب دراسات في تاريخ العرب القديم

الفصل الثامن عشر: المناذرة - مدينة الحيرة - ص: 519

معنى واحد١، ويميل أستاذنا الدكتور عبد العزيز سالم إلى هذا الرأي، معتمدا في ذلك على وصف "اليعقوبي" على خطط "سر من رأى" والحير الذي أقيم بها، وجعل حظيرة للوحش من الظباء والحمير الوحشي والأيايل والأرانب والأنعام٢.

وتقع الحيرة قريبا من مدينة بابل القديمة، وعلى مبعدة ثلاثة أميال إلى الجنوب من الكوفة٣، في نهاية طريق يجتاز شبه الجزيرة العربية، ومن ثم فقد غدت بحكم موقعها الجغرافي هذا، مركزا هاما جدا للقوافل، لم يسع الساسانين إهماله، ومن ثم فما تكاد تقيم فيه سلالة عربية حتى يضعوها تحت حمايتهم٤.

هذا وقد اشتهرت المدينة باسم "حيرة النعمان" عند المؤرخين العرب، و"الحيرة مدينة العرب" عند المؤرخين السريان، و"حيرته" في المجمع الكنسي الذي عقد في عام ٤١٠م، كما سميت كذلك باسم "حيرة النعمان التي في بلاد الفرس" في تاريخ يوحنا الإفسوسي -من القرن السادس الميلادي- وأما "التلمود" فقد أطلق عليها اسم "حيرتا دي طيبة" أي "معسكر العرب وحيرة العرب"٦، وقد أطنبت المؤلفات العربية في وصف هوائها النقي، وصفاء جوها، وعذوبة مائها، حتى قيل "يوم وليلة بالحيرة خير من دواء سنة" وقيل "إنها منزل بريء مريء صحيح من الأدواء والأسقام" و"أن هوءاها وترابها أصح من الكوفة"، ولعل كل هذه الأوصاف ربما كانت السبب في أن تقول العرب "لبيتة ليلة بالحيرة أنفع من تناول شربة"، بل إن "حمزة الأصفهاني" ليزعم أنه لم يمت بالحيرة بسبب هوائها النقي أحد من الملوك إلا قابوس بن المنذر"٧.

---

١ يوسف رزق الله غنيمة: الحيرة المدينة والمملكة العربية ص١١.
٢ عبد العزيز سالم: المرجع السابق ص٣٢٠، كتاب البلدان ص٢٦٣.
٣ P.K. Hitti, Op. Cit., P.٨١
٤ ريجيس بلاشير: المرجع السابق ص٥٨.
٥ جواد علي ٣/ ١٥٦، وكذا Zdmg, ٤٣, P.٣٨٨ وكذا A. Musil, Op. Cit., P.٢٠
وكذا John Of Ephesus, ١٠, ١٣, ٣٥٢
وكذا J. Obermeyer, Die Landschaft Babylonien, P.٢٣٤
وكذا F. Altheim And R.Stiehl, Op. Cit., I, P.٢٧٥, Ii, P.٢٢٥
٦ جواد علي ٣/ ١٥٦-١٥٧.
٧ حمزة الأصفهاني: المرجع السابق ص٧٥، البكري ٢/ ٤٧٩، الميداني ٢/ ١٣٧-١٣٩، جواد علي ٣/ ١٥٨.