للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حجر: "إنه والله لن يدع طلبك حتى تعاين القصور الحمر -يعني قصور الشام- وكأنني به في فوارس من بني شيبان، يذمرهم ويذمرونه، وهو شديد الكلب، تزبد شفتاه كأنه بعير أكل مرارًا، فالنجاء النجاء، فإن وراءك طلبا حثيثا وجمعا كثيفا، وكيدا متينا، ورأيا صليبا". وما أن ينتهي "سدوس" من روايته، حتى يعبث حجر بالمرار، ويأكل منها، غضبا وأسفا، ولا يشعر أنه يأكله من شدة الغضب، فسمي يومئذ "بآكل المرار" أو أنه -على رواية أخرى- كان يوما على سفر، فلما لم يجد ما يأكله أكل المرار حتى شبع١، وأيا ما كان الأمر، فإن معركة حامية الوطيس سرعان ما تدور رحاها بين الفريقين، ينال فيها "زياد" هزيمة منكرة، ثم يقع في أسر "سدوس"، وتنجح بكر في استرداد ما سلبه زياد من غنائم وسبي، ثم يأخذ حجر هندا فيربطها في فرسين، ثم يركضهما، فشقاها نصفين على رواية، وأنه قد أحرقها على رواية أخرى، ثم عاد إلى الحيرة٢.

وفي الواقع أن الرواية على هذا النحو، إنما تعترضها عقبات عدة، منها "أولا" أن هناك من يرى أن الذي هاجم ديار حجر، إنما هو الحارث بن الأهيم بن الحارث الغساني على رواية، والحارث بن جبلة على رواية أخرى، ودون ذكر اسم الذي أغار على غمر كندة، على رواية ثالثة، وهو الحارث بن منذلة الضجعي من بني سليح، على رواية رابعة، وهو عمرو بن الهبولة الغساني على رواية خامسة٣، وهكذا يختلف الإخباريون في الرواية بصورة تلقي ظلالا من شك على صحتها من أساس، ومنها "ثالثا" أن الأسيرة -في رواية أخرى- ليست هندا، وإنما هي قينة من أحب قيان حجر إلى نفسه٤.

ومنها "ثالثا" أن ابن الأثير٥، سرعان ما يدرك الخطأ في الرواية؛ لأن ملوك


١ هناك تفسير آخر يذهب إلى أن المرار، إنما هو نبات إذا أكلته الإبل تقلصت مشافرها فبدت أسنانها، لذلك قيل الحجر، "آكل المرار" لكشر كان به، انظر: جواد علي ٣/ ٣٢٠، سعد زغلول: المرجع السابق ص٢٣٢، أبوالفداء ١/ ٧٤، اللسان ٤/ ١٧١، وكذا
Caussin De Perceval, Op. Cit., Ii, P.٢٦٧. وكذا P.K. Hitti, Op. Cit., P.٨٥
٢ ابن الأثير ١/ ٥٠٦٧-٥٠٩، الاشتقاق ١/ ٢٢، الأغاني ١٥/ ٨٢، البيان والتبيين ٣/ ٣٢٨، تاج العروس ٢/ ٣٠٠، القاموس ١/ ٢٧٧، أيام العرب في الجاهلية ص٤٢-٥٠.
٣ جواد علي ٣/ ٣٢٢-٣٢٣، منتخبات ص٩٧، الأغاني ١٣/ ٦٣، الهمداني: صفة جزيرة العرب ص٨٦ وكذا G. Olinder, Op. Cit., P.٤٤-٥
٤ منتخبات ص٩٧، جواد علي ٣/ ٣٢٢.
٥ ابن الأثير ١/ ٥١٠-٥١١.

<<  <   >  >>