للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أن هناك رواية أخرى تذهب إلى أن النعمان بن المنذر قد لقي مصرعه، في معركة دارت رحاها بينه وبين الحارث الكندي، وإن نجا منها ولده المنذر، وأمه ماء السماء، ومن ثم فقد أصبح الحارث الكندي يملك ما يملكون، وهنا بعث "قباذ" يطلب لقاء الحارث، ويبدو أن الأخير قد استشعر ضعف الملك الفارسي عندما التقيا، ومن ثم فقد بدأ يخطط لنفوذ أوسع في العراق على حساب الفرس، وهكذا أمر رجاله بأن يشنوا الغارة على السواد، ويعلم قباذ بالأمر، ويدرك أن الحارث أقوى شخصية، وأكثر دهاء مما كان يتصور، ومن ثم فقد عمل على أن يدرأه عن نفسه، فأعطاه بعض المناطق التي تقع في مجاورات الحيرة، إلا أن الحارث كان أكثر طموحا، ومن ثم فقد كتب إلى "تبع" ملك اليمن، يقول له: "إني قد طمعت في ملك الأعاجم، وقد أخذت منه ست طساسيح فاجمع الجنود وأقبل"، وتذهب الرواية بعد ذلك، إلى أن "تبعا" قد جمع الجنود وسار بهم حتى نزل الحيرة، ثم وجه ابن أخيه "شمر بن ذى الجناج" إلى قباذ، فحاربه وانتصر عليه ثم قتله بالري١، وأما التقاء الحارث بقباذ، فقد كان -فيما يرى الويس موسل- في عام ٥٢٥م، عند قنطرة الفيوم، وهي موضع لا يبعد كثيرا عن "هيث"، والتي يصفها "ياقوت" بأنها بلدة على الفرات، من نواحي بغداد فوق الأنبار ذات نخل كثير وخيرات واسعة٢.

وهكذا تختلف الروايات في كيفية وصول الحارث الكندي إلى عرش الحيرة، فبعضها يزعم أن ذلك إنما كان بأمر من قباذ نفسه، بعد أن رفض المنذر اعتناق المزدكية، ومن ثم فقد حل الحارث مكانه في الحيرة، وأن الأخير قد اصطنع المنذر بعد ذلك، وزوجه من ابنته "هند"، وأن المنذر قد قبل بعد أن أصبح لا يملك من أسباب القوة ما يعيد إليه عرشه الأسلاف، ومنها ما يزعم أن الحارث إنما استولى على عرش الحيرة بحد السيف، فقد قتل النعمان بن المنذر، ثم أجبر "قباذ" بعد ذلك أن يزيد من أملاكه فيما وراء الفرات، ثم استعا بملوك اليمن الذين حاربوا قباذ فانتصروا عليه وقتلوه في الري، ثم استمروا يفتحون البلاد في إتجاه الصين شرقا، والقسطنطينية غربا.


١ ابن الأثير ١/ ٤١٥، تاريخ الطبري ٢/ ٨٩، ٩٥-٩٦، تاريخ ابن خلدون ٢/ ٢٦٤-٢٦٥.
٢ ياقوت ٤/ ٢٨٦، البكري ٤/ ١٣٥٦، وكذا A. Musil, The Middle Ehuprates, P.٣٥٠

<<  <   >  >>