للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم ألم يحدثنا عكرمة عن ابن عباس -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- أنه ما فسر آية إلا نزع فيها بيتًا من الشعر، وأنه كان حريصًا على الشعر الجاهلي، وأنه كان يحث الناس على تعلمه وطلبه لتفسير القرآن الكريم، وأنه كان يقول: "إذا سألتم عن شيء من غريب القرآن، فالتمسوه في الشعر، فإن الشعر ديوان العرب"١.

وهكذا يمكننا القول أن الإسلام لو تعمد طمس الجاهلية، والقضاء على معالمها، لما أشار القرآن الكريم إليها، ولتحرج المسلمون من الإشارة إليها كذلك.

ثم إن الأمر -فيما يبدو لي- لو كان بسبب الإسلام، لما اقتصر على بلاد العرب، وإنما كان يجب أن يتعداه إلى البلاد الإسلامية جمعاء -إلى مصر وسورية والعراق وغيرها- ولرأينا في هذه الحالة طمسًا لتاريخ مصر على أيام الفراعين، ولتاريخ العراق على أيام السومريين والأكديين والآشوريين والبابليين، والأمر كذلك بالنسبة إلى تاريخ الأموريين والكنعانيين والفينيقيين والآراميين وغيرهم في سورية، ولكن الواقع غير ذلك تمامًا، فتاريخ مصر -على سبيل المثال- أوضح من تاريخ العرب بكثير.

إذن، لابد وأن تكون هناك أسباب أخرى، لطمس هذا التاريخ العربي القديم، والرأي عندي أن السبب إنما يكمن أولًا في الجاهليين أنفسهم، لقد كان القوم -في معظمهم- أميين، لا يكتبون على الأقل في العصور القريبة من الإسلام، حتى أننا لا نجد في مكة عشية ظهور الإسلام، إلا بضعة عشر نفرًا يقرءون ويكتبون، حددهم "البلاذري" بسبعة عشر، فضلا عن فئة قليلة من الأوس، إلى جانب قلة نادرة من النساء، منهن "الشفاء بنت عبد الله البدرية" -من رهط عمر بن الخطاب وهي التي علمت أم المؤمنين حفصة بنت عمر الكتابة٢.

وأخيرًا فإليك الحديث الشريف: "إنا أمة أمية لا تكتب ولا تحسب٣".


١ السيوطي: المزهر في علوم اللغة ٢/ ٣٠٢، ناصر الدين الأسد: المرجع السابق ص١٥٢-١٥٣.
٢ البلاذري: فتوح البلدان ٣/ ٥٨٠-٥٨٣، العقد الفريد ٣/ ٢٤٢، الجاحظ: الحيوان ٢/ ٧١، ناصر الدين الأسد: المرجع السابق ص٤٥-٤٦ عبد العزيز سالم: دراسات في تاريخ القرآن ص٤٥-٥٣، ص٦٦-٧٦.
٣ صحيح البخاري ٤/ ١٠٨-١٠٩ "كتاب الصوم، باب ١٣"، ورواه كذلك مسلم وأبو داود والنسائي، كما في الجامع الصغير للسيوطي رقم ٢٥٢١، وانظر: تفسير الطبري ٢/ ٢٥٧-٢٥٩، تفسير روح المعاني ٩/ ٧٩.

<<  <   >  >>