للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تميز هذا العام كذلك برحلة الصيدلي الفرنسي "جوزيف توما أرنو" الذي نجح في ١٢ يوليه ١٨٤٣م في السفر من صنعاء إلى مأرب، فزار خرائب "صرواح" وفحص بقايا أسوار في مأرب، وكذا معبد "المقه" إله القمر، الذي تقوم آثاره خارج مأرب، والذي يطلق العرب عليه اسم "محرم بلقيس"، هذا إلى جانب نقله لـ ٥٦ نقشًا سبئيًّا رآها هناك، وقد قام "فرزنل"، القنصل الفرنسي في جدة بنشر هذه النقوش عام ١٨٤٥م، أما "أرنو" نفسه، فقد أثرت عليه رحلته وفقد بصره حينًا من الدهر، بسبب ما تعرض له من أمطار عند عودته من صنعاء إلى الشاطئ في بلاد تهامة١.

وفي عام ١٨٦٠م نجح الضابط الإنجليزي "كوجلان" في شراء مجموعة كبيرة من النقوش، عثر عليها في أنقاض مدينة "عمران" عام ١٨٥٤م، من بينها تماثيل وأحجار مكتوبة وألواح من النحاس لا يقل عددها عن الأربعين٢.

وفي تلك الأثناء نجح العلماء في فك رموز هذه الكتابة العربية الجنوبية وأطلقوا عليها اسم "الحروف الحميرية"، ولكن سرعان ما تبين لهم أن هذه النقوش ليست كلها حميرية، وأن بعضها نصوص معينية، وبعضها الآخر سبئية، بل إن فيها نصوصًا تختلف عن الحميرية بعض الاختلاف، وهذه الكتابة هي المسماة "بخط المسند"، وبالقلم المسند، وبالمسند في الموارد العربية٣.

وبدأت فرنسا تهتم بالأمر، ومن ثم فقد رأت أكاديمية الفنون والآداب الجميلة في باريس عام ١٨٦٩م، إصدار موسوعة النقوش السامية:

Corpus Inscriptionum Semiticarum، واختير المستشرق الفرنسي اليهودي "جوزيف هاليفي" لرياسة بعثة إلى اليمن، لتزويد الموسوعة بنقوش جديدة، وكان اختيار "هاليفي" اختيارًا موفقًا، فهو كيهودي يستطيع أن يتجول بين أفراد القبائل العربية المستقلة بكل حرية، لأن اليهود كانوا يعاملون في اليمن معاملة المنبوذين، فلا يسمح لهم بحق من الحقوق إلا ما تجود به النفس العربية مدفوعة بعامل الرفق والعطف، ومن ثم فلا يسمح لليهودي مثلا بحمل السلاح، كما كان المسلم


١ أحمد فخري: دراسات في تاريخ الشرق القديم ص١٥٠.
٢ نفس المرجع السابق ص١٥٢.
٣ جواد علي ١/ ١٢٧.

<<  <   >  >>