للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أن كتابات "دي فرتيما" قد تأثرت إلى حد كبير بعقيدته الدينية، كما دلت على جهل واضح بجغرافية المنطقة، فضلا عن تقديمه معلومات ساذجة عن مشاهداته هناك، فمن ذلك مثلا، تفسيره لعدم صيد الحمام الذي يكثر بمكة، من أن المسلمين يعتقدون أنه سليل تلك الحمامة التي كانت تكلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بوصفها الروح القدس١، وَفَاتَهُ "أولًا" أن مكة بلد الله الحرام، لا يجوز الصيد فيها، وليس -كما زعم- لأن هذا الحمام ينحدر من تلك الحمامة التي كلمت مولانا وجدنا وسيدنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ثم من أين جاء بكل هذا؟، وفاته "ثانيًا" أن المسلمين لا يؤمنون بحمام على أنه الروح القدس، وإنما ذلك هو "جبريل" عليه السلام، ولعله في ذلك كان متأثرًا بعقيدته الدينية.

ومنها كذلك حديثه عن "رمي الجمار" وأنه رمز لطاعة إسحاق، ودليل على الرغبة في الاقتداء به، فقد جاء في التعاليم الإسلامية أن الشيطان حاول إقناع إسحاق بعدم اللحاق بأبيه إبراهيم العازم على التضحية به٢.

ويبدو هنا، مرة أخرى، أن "دي فرتيما" إنما يتحدث بمنطق اليهود والنصارى وعقيدتهم في الذبيح، حتى في موطن العرب أنفسهم، ونسي -أو تناسى- "أولًا" أن الذبيح عند العرب -على الأقل- إنما هو إسماعيل، وليس إسحاق، عليهما السلام، وتناسى "ثانيًا" أنه في مكة، وليس في فلسطين، والأولى موطن إسماعيل، والثانية مستقر إسحاق، ولو كان الأمر، كما يرى "دي فرتيما"، لكان رمي الجمار في فلسطين، وليس في مكة، ومن ثم فلست أدري من أين جاء بذكر إسحاق هنا؟ ٣.

ثم إن قوله إن مدائن صالح والعلا، إنما هما سدوم وعمورة، لا يدل على جهل واضح بجغرافية المنطقة فحسب، وإنما يدل كذلك على جهل بروايات التوراة، كتابه المقدس، وخاصة حين يذهب إلى أن أهل سدوم وعمورة كانوا يعيشون على المن والسلوى، وأنهم كفروا بأنعم الله، فعاقبهم بأعجوبة منه٤.


١ نفس المرجع السابق ص٤٦.
٢ نفس المرجع السابق ص٤٥-٤٦.
٣ راجع قصة الذبيح في كتابنا "إسرائيل" ص١٩٦-٢٠٩، وفي الفصل الرابع من كتابنا "دراسات في التاريخ القرآني" الجزء الأول.
٤ جاكلين بيرين: اكتشاف جزيرة العرب ص٤١-٤٢.

<<  <   >  >>