للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

و:

أنا ابن سعد أكرم السعدينا١

فالجواب: أن هذا الذي فعلوه من تحمل اللام في التثنية والجمع؛ يدل على صحة ما كنا قدمناه من أنهم إنما استكرهوا أن يقولوا إذا أرادوا تعريف ما قد نزعت عنه علميته "الزيد والبكر"؛ لأن له قبل حالة المفضية له إلى التنكير حالًا قد كان فيها علمًا معرفة، فردوه لما احتاجوا إلى تعريفه إليها؛ فقالوا جاء زيد، كما كانوا يقولون قبل سلبه تعريفه ورده إليه: جاء زيد؛ فأما التثنية في نحو قولك زيدان؛ فلم يكن زيدان قط علمًا لاثنين مخصوصين كما كان زيد قبل سلبه تعريفه علمًا لواحد مخصوص، فيردا عند إرادة تعريفهما إلى حالهما بعد السلب، كما رد زيد إليها لما أريد تعريفه بعد سلبهم إياه منه؛ وإنما زيدان بمنزله رجل وغلام في أنه اسم لاثنين شائع كما أن "رجلًا" و"غلامًا" كل واحد منهما اسم لمعناه شائع في أمته؛ فكما أنك إذا أردت تعريفهما قلت الرجل والغلام، فكذلك إذا أردت تعريف زيدين ألحقته اللام؛ فقلت الزيدان والعمران، فاعرف ذلك، فقد أوضحنا هذا الموضع بنهاية ما يقال في مثله.

فأما قولهم للجبلين المتقابلين أبانان؛ فإن أبانين اسم علم لهما بمنزلة زيد وخالد.

فإن قلت: فكيف جاز أن يكون بعض التثنية علمًا؛ وإنما عامتها نكرات؛ ألا ترى أن رجلان وغلامان وابنان وابنتان كل واحد منهما نكرة غير علم، فما قصة أبانين حتى صار علمًا؟

فالجواب أن زيدين ليسا في كل وقت مصطحبين مقترنين، بل كل واحد منهما كما يجامع صاحبه؛ فكذلك يفارقه أيضًا؛ فلما اصطحبا مرة وافترقا أخرى؛ لم يمكن أن يخصا باسم علم يقيدهما من غيرهما؛ لأنهما شيئان كل واحد منهما بائن من صاحبه.


١ البيت نسبه صاحب الكتاب "١/ ٢٨٩" إلى رؤبة، وذكره صاحب المقتضب "٢/ ٢٢١" دون أن ينسبه.
والشاهد فيه قوله "السعدينا" حيث عرفها باللام، وهذا يؤكد وجهة نظر ابن جني من تحمل اللام في التثنية والجمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>