للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهذه الأشياء تعرض في الوقف، وهي جارية مجرى غيرها من سائر التغايير العارضة عند الوقوف نحو خالدّ، ويجعلْ، وهذا بكرْ، ومررت بعمرْو، فهل يحسن بمثل هذا أن يُجعل أصلا تجتمع الجماعة عليه، وتنتهي في القياس إليه، هذا ما لا ينبغي لنظّار أن يركبه، ولا لمنصف من نفسه أن يعتقده.

فإن قال قائل: ما تنكر أن تكون النون إنما لحقت التثنية في النكرة التي هي الأصل، وذلك قولك ضربت رجلا، فلو قلت مع هذا "عندي رجلا" بلا نون لا لتبس بما لا يوقف على منصوبه إلا بالألف نحو ضربت رجلا، ثم إنهم أجروا المعرفة التي هي فرع مجرى النكرة التي هي أصل حملا للفرع على الأصل، كما أجروا: رأيت الهنداتِ، على: رأيت الزيدينِ، حملا للمؤنث الذي هو فرع على المذكر الذي هو الأصل، وكغير ذلك مما تجري فيه الفروع على الأصول طلبا للتجنيس لا لضيق الكلام، ألا ترى أنهم لو قالوا: ضربتُ الهنداتَ، ففتحوا التاء لم يفسد ذلك بشيء، وإنما مالوا إلى الكسر، كما أجروا النصب على لفظ الجر في: ضربتُ الزيدينَ.

فالجواب: أن ذلك إنما كان يكون له به تعلق لو لم نجد لنون التثنية علة قائمة ثابتة صحيحة في لحاقها بعد الألف، وهو ما قدمناه من قول سيبويه: "وإنما لحقت عوضًا مما منع الاسم من الحركة والتنوين"١ الذي كان يجب له إذا كان معربا متمكنا، كما وجب للواحد المتمكن، فأما والعلة قائمة صحيحة فلا وجه للعدول عنها إلى حمل فرع على أصل طلبا لتجنيس الكلام لا غير.

ألا ترى أن كسر تاء الهندات في موضع النصب ليس له قوة كسرها في موضع الجر، وإنما هي حركة أقيمت مقام حركة.


١ الكتاب: "١/ ٤"، ولفظه: "كأنها عوض لما منع من الحركة والتنوين".

<<  <  ج: ص:  >  >>