للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا١ وجدت في بعض المصاحف: "يَسْتَهْزِأُون" بالألف قبل الواو.

ووجد فيها أيضا: "وإنْ مِنْ شَيْأٍ إلا يُسبِّحُ بِحَمْدِه"٢ بالألف بعد الياء. وإنما ذلك لتوكيد التحقيق.

وهذه علة في الهمزة كنت قديما، أنا رأيتها، ثم غبرت٣ زمانا، فرأيت بعض كلام أبي بكر محمد بن السري -رحمه الله-، وقد أوردها فيه غير مسنده إلى غيره، ثم إني رأيتها بعد ذلك في بعض كلام الفراء، فلا أدري: أاصاب أبا بكر مع الفراء ما أصابني أنا من المواردة٤ له، أم هو شيء سمعه، فحكاه واعتقده؟ وهي دلالة قاطعة قوية.

وفيه دلالة أخرى، وهي أن كل حرف سميته ففي أول حروف تسميته لفظه بعينه، ألا ترى أنك إذا قلت: جيم، فأول حروف الحرف "جيم" وإذا قلت دال، فأول حروف الحرف "دال" وإذا قلت حاء، فأول ما لفظت به حاء، وكذلك إذا قلت ألف، فأول الحروف التي نطقت بها همزة. فهذه دلالة أخرى غريبة، على كون صورة الهمزة مع التحقيق ألفا.

فأما المدة التي في نحو: قام وسار وكتاب وحمار، فصورتها أيضا صورة الهمزة المحققة، التي في أحمد وإبراهيم وأترجة٥، إلا أن هذه الألف لا تكون إلا ساكنة، فصورتها وصورة الهمزة المتحركة واحدة وإن اختلف مخرجاهما، كما أن النون الساكنة في نحو: من وعن، والنون المحركة في نحو: نعم ونفر، تسمى كل واحدة منهما نونا، وتكتبان شكلا واحدا، ومخرج الساكنة من الخياشيم٦، ومخرج المتحركة من


١ الإشارة بهذا إلى مضمون الكلام السابق، وهو أنها إذا لم تقع في أول الكلمة يخففها الحجازيون ويحققها غيرهم، ولذلك توجد في بعض المصاحف محققة، مكتوبة ألفا على طريقة غير الحجازيين.
٢ يسبح: ينزه مادة "سبح" اللسان "٣/ ١٩١٤"، ومعنى الآية: أن كل شيء ينزه الله سبحانه وتعالى، والآية دليل على تحقيق بعض كتاب المصحف للألف في كلمة "شيئا".
٣ غبرت: مضيت، مادة "غبر". اللسان "٥/ ٣٢٠٥".
٤ المواردة: اتفاق الخواطر. مادة "ورد".
٥ أترجة: ثمر ذكي الرائحة. جمعها أترج. مادة "ت. ر. ج" اللسان "١/ ٤٢٥".
٦ الخياشيم: واحدها الخيشوم وهو الأنف. مادة "خ. ش. م" اللسان "٢/ ١١٦٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>