للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفم، كما أن مخرج الألف المتحركة التي هي همزة من المصدر، ومخرج الألف فوقها من أول الحلق، فهاتان ها هنا كتينك هناك.

فأما إخراج أبي العباس الهمزة من جملة الحروف، واحتجاجه في ذلك بأنها لا تثبت صورتها، فليس بشيء، وذلك أن جميع هذه الحروف إنما وجب إثباتها واعتدادها لما كانت موجودة في اللفظ الذي هو قبل الخط، والهمزة أيضا موجودة في اللفظ، كالهاء والقاف وغيرهما، فسبيلها أن تعتد حرفا كغيرها، فأما انقلابها في بعض أحوالها لعارض يعرض لها من تخفيف أو بدل، فلا يخرجها من كونها حرفا، وانقلابها أدل دليل على كونها حرفا، ألا ترى أن الألف والواو والياء والتاء والهاء والنون وغيرهن قد يقلبن في بعض الأحوال، ولا يخرجهن ذلك من أن يعتددن حروفا، وهذ أمر وضح غير مشكل١.

واعلم أن واضع حروف الهجاء لما لم يمكنه أن ينطبق بالألف التي هي مدة ساكنة، لأن الساكن لا يمكن الابتداء به، دعمها باللام قبلها متحركة، ليمكن الابتداء بها. فقال: هـ، و، لا، ي. فقوله "لا" بزنة ما، ويا، ولا تقل كما يقول المعلمون: لام ألف. وذلك أن واضع الخط لم يرد أن يرينا كيف أحوال هذه الحروف إذا تركب بعضها مع بعض، ولو أراد ذلك، لعرفنا أيضا كيف تتركب الطاء مع الجيم والسين مع الدال، والقاف مع الظاء، وغير ذلك مما يطول تعداده، وإنما مراده ما ذكرت لك، من أنه لما لم يمكنه الابتداء بالمدة الساكنة، ابتدأ باللام، ثم جاء بالألف بعدها ساكنة، ليصح لك النطق بها كما صح لك النطق بسائر الحروف غيرها، وهذا واضح.

فإن قال قائل: فلم اختيرت لها اللام دون سائر الحروف؟ وهلا جيء لها بهمزة الوصل، كما فعل العرب ذلك بالساكن لما لم يمكن ابتداؤه، نحو: اضرب، اذهب، انطلق، وغير ذلك؟

فالجواب: أن همزة الوصل لو جيء بها قبل الألف توصلا إلى النطق بالألف الساكنة، لما أمكن ذلك، ولادتهم الحال إلى نقض الغرض الذي قصدوا له.


١ المشكل: الملتبس مادة "شكل". اللسان "٤/ ٢٣١٠".

<<  <  ج: ص:  >  >>