للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولأبي علي أن يقول منتصرًا لكون الألف منقلبة عن ياء: إن الذي ذهبت أنا إليه أسوغ وأقل فحشًا مما ذهب إليه أبو الحسن، وذلك أني وإن قضيت بأن الفاء واللام واوان وكان هذا أيضًا لا نظير له، فإني قد رأيت العرب جعلت الفاء واللام من لفظ واحد كثيرًا، نحو "سَلِسَ"١ و"قَلِقَ" و"حَرْحٍ"٢ و"دَعْدٍ" و"فَيْفٍ"٣ فهذا وإن لم يكن فيه واو فإنا قد وجدنا فاءه ولامه من لفظ واحد.

وقالوا أيضًا في الياء التي هي أخت الواو "يَدَيْتُ إليه يدًا" ولم نرهم جعلوا الفاء والعين واللام جميعًا من موضع واحد لا من واو ولا من غيرها، فقد دخل أبو الحسن معي في أن اعترف بأن الفاء واللام واوان إذ لم يجد بُدًّا من الاعتراف بذلك، كما لم أجده أنا، ثم إنه زاد على ما ذهبنا إليه جميعًا شيئًا لا نظير له في حرف من الكلام البتة، وهو جعله الفاء والعين واللام من لفظ واحد. فأما ما أنشَدَناه أبو علي من قول هند بنت أبي سفيان لابنها عبد الله بن الحارث٤:

لأنكحن بَبَّهْ ... جارية خِدَبَّهْ

مُكْرَمًة محبَّهْ ... تَجُبُّ أهلَ الكعْبَة٥

فإنما "بَبَّه" حكاية الصوت الذي كانت ترقصه عليه، وليس باسم، وإنما هو كـ "قَبْ" لصوت وقع السيف، و"طِيخ" للضحك، ومثله صوت الشيء إذا


١ سلس: سهل ولين، وسلس بول الرجل إذا لم يتهيأ له أن يمسكه. اللسان "٦/ ١٠٦".
٢ الحرح: فرج المرأة، والجمع أحراح. لسان العرب "٢/ ٤٣٢".
٣ الفيف: المفازة التي لا ماء فيها مع الاستواء والسعة. والفيفاء: الصحراء الملساء.
٤ الأبيات لهند بنت أبي سفيان كما نسبه إليها صاحب اللسان في مادة "بيب" "١/ ٢٢١"، وهذه الأبيات وردت في المنصف "٢/ ١٨٢" والخصائص "٢/ ٢١٧" وجمهرة اللغة "١/ ٢٤" غير منسوبة.
٥ ببة: حكاية الصوت التي كانت الشاعرة ترقص ولدها عليه كما قال ابن جني في المتن.
خدبّه: ضخمة.
تجب: تغلب بحسنها. اللسان "١/ ٢٥١".
أهل الكعبة: أي نساء قريش.
تخاطب ابنها وتقول إنها ستنكحه فتاة سمينة جميلة تفوق نساء قريش حسنًا وجمالا.
والشاهد: في قولها "ببه" فقد أورده أبو علي كدليل على ورود كلمة فاؤها وعينها ولامها على حرف واحد هو الباء.
ورد ابن جني ذلك بأنها ليست اسمًا وإنما حكاية لصوت كانت الشاعرة ترقص ابنها عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>