للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أراد: وغبائقي، وقيلاتي فحذف حرف العطف. وهذا عندنا ضعيف في القياس، معدوم في الاستعمال. ووجه ضعفه أن حرف العطف فيه ضرب من الاختصار، وذلك أنه قد أقيم مقام العامل؛ ألا ترى أن قولك: قام زيد وعمرو، أصله: قام زيد وقام عمرو، فحذفت "قام" الثانية، وبقيت الواو كأنها عوض منها، فإذا ذهبت تحذف الواو النائبة عن الفعل تجاوزت حد الاختصار إلى مذهب الانتهاك١ والإجحاف٢، فلذلك رفض ذلك، وقد تقدم من القول في هذا المعنى ما هو مغنٍ بإذن الله تعالى.

وشيء آخر، وهو أنك لو حذفت حرف العطف لتجاوزت قبح الإجحاف إلى كلفة الإشكال، وذلك أنك لو حذفت الواو في نحو قولك: ضربت زيدًا وأبا عمرو، فقلت: ضربت زيدًا أبا عمرو، لأوهمت أن زيدًا هو أبو عمرو، ولم يعلم من هذا أن "زيدا" غير "أبي عمرو" فلما اجتمع إلى الإجحاف الإشكال قبح الحذف جدًّا. وكما أنابوا حرف العطف عن العامل فيما ذكرنا وما يجري مجراه، نحو: ضربت زيدًا فبكرًا، وكلمت محمدًا ثم سعيدًا، وجاءني محمد لا صالح، كذلك أيضًا قد أنابوا الواو مناب "رب" في نحو قوله٣:


الغبائق: جمع غبوق وهو الشرب بالعشي. لسان العرب "١٠/ ٢٨١" مادة/ غبق.
القيلات: جمع قيلة وهي اللبن الذي يشرب وقت الظهيرة. اللسان "١٠/ ٥٠٣" مادة/ صبح.
ويختلف معنى البيت باختلاف تأويل تلك الكلمات.
فعلى حسب التأويل الأول: يقول الشاعر لماذا لا أبكي أي أبكي على علاتي في وقت اللهو وقت الشراب إذن هو لا يحس بمتعة إذا كانت متعته مختلطة بالبكاء.
وعلى حسب التأويل الثاني: يقول إنني أبكي ضياع جميع إبلي فلم يعد لي مال فلذلك اعتللت.
والشاهد في البيت أورده ابن جني في المتن.
إعراب الشاهد: صبائحي: مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدرة منع من ظهورها كسرة المناسبة، والياء: ضمير مبني في محل جر مضاف إليه.
غبائقي: معطوف على صبائحي منصوب، والياء مضاف إليه.
وكذا قيلاتي.
١ الانتهاك: المبالغة في خرق محارم الشرع وإتيانها. اللسان "١٠/ ٥٠١" مادة/ نهك.
٢ الإجحاف: مقاربة الإخلال بالأمر. اللسان "٩/ ٢٢" مادة/ جحف.
٣ سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>