للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثبت بالتواتر والإجماع فهو كافر بعد قيام الحجة، وسواء سمى هذا المعنى استغاثة أو لم يسمه، وأما من أقر بشفاعته وأنكر ما كان الصحابة يفعلونه من التوسل به والاستشفاع به كما رواه البخاري في صحيحه عن أنس: "أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، وقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون".

وفي سنن أبي داود وغيره: "أن أعرابياً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: جهدت الأنفس، وجاع العيال، وهلك المال، فادع الله لنا، فإنا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك، فسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، وقال: ويحك إن الله لا يستشفع به على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك"١. وذكر تمام الحديث، فأنكر قوله نستشفع بالله عليك، ولم ينكر قوله: نستشفع بك على الله بل أقره عليه، فعلم جوازه، فمن أنكر هذا فهو ضال مخطىء مبتدع، وفي تكفيره نزاع وتفصيل.

وأما من أقر بما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع من شفاعته والتوسل به ونحو ذلك ولكن قال لا يدعى إلا الله وأن الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله لا تطلب إلا منه- مثل غفران الذنوب وهداية القلوب وإنزال المطر وإنبات النبات ونحو ذلك- فهذا مصيب في ذلك، بل هذا مما لا نزاع فيه بين المسلمين أيضاً، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} ٢ وقال: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ٣ وكما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} ٤ وكما قال تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} ٥. وقال: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ


١ هذا الحديث والذي قبله تقدم تخريجهما.
٢ سورة آل عمران: ١٣٥.
٣ سورة القصص: ٥٦.
٤ سورة فاطر: ٣.
٥ سورة آل عمران: ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>