للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم تكلم في مسائل مختلفة انتقل من بعضها إلى بعض وأتى بما يبهر العقول.

والحاصل، أن كل كلمة من كلمات هذه السورة تقتضي أن يعبد الله وحده وأن لا يشرك به أحد ولا يلتجأ إلى ما سواه، فإذا كان معنى أحد أنه ليس كمثله شيء فينبغي أن يستغاث به وحده، لأنه الكامل في صفات الكمال والمنزه عن صفات النقص، وغيره ليس كذلك فكيف يسوغ الالتجاء إلى الناقص والإعراض عن الكامل؟ وإذا كان الله أحد كان هو الصمد بأي معنى فسر، فالأحدية دليل على الصمدية، فهو الملجأ لا غير، والصمدية تستلزم اتصاف الله تعالى بأنه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحداً، وكل جملة فهي دليل لما بعدها، فمن يلد ليس بأحد ولا صمد فلا يلجأ إليه ولا يطلب منه ما يطلب من الله الأحد الصمد الذي لم يلد، ومن يولد كذلك، ومن كان له كفو أو نظير في ذاته وصفاته فهو لا يصلح أن يسند إليه خصائص الإلهية، فهذه السورة على اختصارها جمعت من دلائل الوحدانية، ما لم تشتمل سورة أخرى عليه، ولذلك كانت تعدل ثلث القرآن، ومن أراد تفصيل ما تضمنته من العلوم فعليه بتفسيرها لشيخ الإسلام.

ومن ذلك قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} إلى آخر السورة، تكلم أيضاً على هذه السورة شيخ الإسلام وتلميذه أحسن كلام، قال ابن القيم في كتابه "بدائع الفوائد": المقصود الكلام على هاتين السورتين- يعني المعوذتين- وبيان عظم منفعتهما وشدة الحاجة بل الضرورة إليهما، وأنه لا يستغني عنهما أحد قط، وأن لهما تأثيراً خاصاً في رفع السحر والعين وسائر الشرور، وأن حاجة العبد إلى الاستعاذة بهاتين السورتين أعظم من حاجته إلى التنفس والطعام والشراب واللباس، فنقول والله المستعان: قد اشتملت السورتان على ثلاثة أصول وهي: أصول الاستعاذة: أحدها: نفس الاستعاذة.

والثاني: المستعاذ به.

والثالث: المستعاذ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>