للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وركبت فيه عرفها بالوجود والذوق. ثم ذكر كلاماً طويلاً في الفرق بين الإعاذة والاستعاذة في غاية الدقة واللطف، وذكر سبب الإتيان (بقل) في السورتين وهو من أبدع الوجوه، ولا غرض لنا يتعلق به فإن أردته فارجع إليه.

(ثم قال في الفصل الثاني) : والمستعاذ به الله وحده رب الفلق ورب الناس ملك الناس إله الناس، الذي لا تنبغي الاستعاذة إلا به، ولا يستعاذ بأحد من خلقه، بل هو الذي يعيذ المستعيذين ويعصمهم ويمنعهم من شر ما استعاذوا من شره، وقد أخبر تعالى في كتابه عمن استعاذ بخلقه أن استعاذته زادته طغياناً ورهقاً، فقال حكاية عن مؤمني الجن: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} ١.

جاء في التفسير: أنه كان الرجل من العرب في الجاهلية إذا سافر فأمسى في أرض قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه، فيبيت في أمن وجوار منهم حتى يصبح. أي: فزاد الإنس الجن باستعاذتهم بسادتهم رهقاً أي طغياناً وغياً وإثماً وشراً، يقولون سدنا الإنس والجن، والرهق في كلام العرب الإثم وغشيان المحارم، فزادوهم بهذه الاستعاذة غشياناً لما كان محظوراً من الكبر والتعاظم وظنوا أنهم سادوا الإنس والجن.

واحتج أهل السنة على المعتزلة في أن كلمات الله غير مخلوقة بأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ بها بقوله: "أعوذ بكلمات الله التامات" وهو صلى الله عليه وسلم لا يستعيذ بمخلوق، ونظير ذلك قوله: "أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك" فدل على أن رضاه وعفوه من صفاته، وأنه غير مخلوق، فكذلك قوله: "أعوذ بعزة الله وقدرته". وقوله: "أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات"٢. وما استعاذ به النبي صلى الله عليه وسلم


١ سورة الجن: ٦.
٢ جزء من حديث: "اللهم إني أشكو إليك ضعفي.. ".
ذكره ابن هشام في "السيرة" (١/٣٤) والطبري في "تاريخه" (٢/ ٣٤٤- ٣٤٥) وأخرجه الطبراني في "الكبير"- جزء فيه ذكر أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني- لابن منده، المطبوع بآخر الجزء (٢٥/ص ٣٤٦) من طريق: ابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر قال:.. فذكره.
وأخرجه أيضاً في "الدعاء" (٢/١٢٨٠/ ١٠٣٦) والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (٢/٢٧٥/ ١٨٣٩- الرسالة) .
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٦/٣٥) : "فيه ابن إسحاق وهو مدلس ثقة، وبقية رجاله ثقات".
وضعفه الشيخ الألباني في تخريجه لـ "فقه السيرة" للغزالي (ص١٢٦) وفي كتابه "دفاع عن الحديث النبوي" (ص ٢٦) و"ضعيف الجامع" (١١٨٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>