للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد اجتمع بهم التابعون وتعلموا منهم، وتأدبوا بهم، واستفادوا منهم، وتخرجوا على أيديهم، وصحبوا من صحبوه منهم، وكانوا يستفيدون من جميع الصحابة، وأصحاب ابن مسعود كانوا يأخذون عن عمر وعلي وأبي الدرداء وغيرهم، وكذلك أصحاب معاذ بن جبل رضي الله عنه كانوا يأخذون عن ابن مسعود وغيره، وكذلك أصحاب ابن عباس يأخذون عن ابن عمر وأبي هريرة وغيرهما، وكذلك أصحاب زيد بن ثابت يأخذون عن أبي هريرة وغيره، وقد انتفع بكل منهم من نفعه الله، وكل منهم متفقون على دين واحد وطريق واحدة وسبيل واحدة، يعبدون الله تعالى ويطيعون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن بلغهم من الصادقين عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً قبلوه، ومن فهم من السنة والقرآن ما دل عليه القرآن والسنة استفادوه، ومن دعاهم إلى الخير الذي يحبه الله ورسوله أجابوه، ولم يكن أحد منهم يجعل شيخه رباً يستغيث به كالإله الذي يسأله ويرغب إليه، ويعبده ويتوكل عليه، ويستغيث به حياً وميتاً، ولا كالنبي الذي تجب طاعته في كل ما أمر، فالحلال ما حلله، والحرام ما حرمه، فإن هذا ونحوه دين النصارى، الذين قال الله فيهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ١.

وكانوا متعاونين على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، متواصين بالحق متواصين بالصبر، والإمام والشيخ ونحوهما عندهم بمنزلة الإمام في الصلاة وبمنزلة دليل الحاج، فالإمام يقتدي به المأمون فيصلون بصلاته لا يصلي عنهم، وهو يصلي بهم الصلاة التي أمر الله ورسوله بها، فإن عدل عن ذلك سهواً أو عمداً لم يتبعوه، ودليل الحاج يدل الوفد على طريق البيت ليسلكوه ويحجوه بأنفسهم، فالدليل لا يحج عنهم، وإن أخطأ الدلالة لم يتبعوه، وإذا اختلف دليلان وإمامان نظر أيهما كان الحق معه فاتبع، فالفاصل بينهم الكتاب والسنة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ


١ سورة التوبة: ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>