في مجمع من الناس: إنما الرجل من يقول حدثني سري عن ربي، لا من يقول: حدثنا فلان وفلان.
فانظر هذا الاستخفاف العظيم برسل الله، ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن من يأخذ عن الأنبياء المعصومين وعن رسل الله المبلغين أفضل وأكمل ممن يأخذ عن سره ووارده، بل هذه الواردات كلها موقوفة ومردودة إلا بشاهد عدل من رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهد لها بالصحة وأنها حق يؤخذ به.
وقد قال شيخ الطريق الجنيد بن محمد رحمه الله: إنه لتقع في قلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدي عدل من الكتاب والسنة.
وغالب هذه الواردات التي تخالف الشرعيات، ويشير إليها أهل التصوف والتعبدات- إنما هي من وحي الشيطان لا عن الله رب العالمين، وبهذا تعلم أن هذا العراقي وأمثاله هم أهل التنقص للرسل التاركون لما جاؤوا به، وحاصل أمرهم عزل الكتاب والسنة في باب الاعتقادات والعمليات، واتباع ما تهوى الأنفس من الغلو والإطراء والجهل والضلالات، وهذا الاعتراض محشو من ذلك لا تكاد تعد فيه كلمة واحدة سيقت على القانون الشرعي والمنهاج المرضي، وما أحسن ما قال شيخ الإسلام فيما كتب على المحصل للرازي:
محصل في أصول الدين حاصله ... من بعد تحصيله جهل بلا دين
بحر الضلالات والإفك المبين وما ... فيه فأكثره وحي الشياطين
انتهى كلام صاحب المنهاج، ومنه يعلم أن قول محيي الدين إن صح عنه فهو قول باطل لا يفيد فيه ما ذكره الشعراني من التأويل العليل.
والإمام أبو حامد الغزالي اعترض على كتبه كثير من العلماء الربانيين، منهم الإمام أبو عبد الله المازري، قال تاج الدين ابن السبكي في "طبقاته" عند ذكره كلام الطاعنين على هذا الإمام ورده: قال الإمام أبو عبد الله المازري المالكي- مجيباً لمن سأله عن حال كتاب إحياء العلوم ومصنفه- هذا الرجل- يعني الغزالي-: وإن لم أكن قرأت كتابه فقد رأيت تلامذته وأصحابه، فكل منهم يحكي لي نوعاً من