للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاله وطريقته، فأتلوح بها من مذهبه وسيرته ما قام لي مقام العيان، فأنا أقتصر على ذكر حال الرجل وحال كتابه، وذكر جمل من مذاهب الموحدين والفلاسفة والمتصوفة وأصحاب الإشارات، فإن كتابه متردد بين هذه الطرائق لا يعدوها، ثم أتبع ذلك بذكر حيل أهل مذهب على أهل مذهب آخر، ثم أبين عن طرق الغرور، وأكشف عما دفن من حبال الباطل ليحذر من الوقوع في حباله صائده. ثم إنه أثنى على الغزالي في الكشف، وقال: هو أعرف بالفقه منه بأصوله، وأما علم الكلام الذي هو أصول الدين فإنه صنف فيه أيضاً وليس بالمستبحر فيها، ولقد فطنت لسبب عدم استبحاره وذلك أنه قرأ علم الفلسفة قبل استبحاره في فن أصول الدين، فأكسبته قراءة الفلسفة جراءة على المعاني، وتسهيلاً للهجوم على الحقائق، لأن الفلاسفة تمر مع خواطرها، وليس لها حكم شرعي ترعاه، ولا تخاف من مخالفة أئمة تتبعها، وعرفني بعض أصحابه أنه كان له عكوف على رسائل إخوان الصفا، وهي إحدى وخمسون رسالة، ومصنفها فيلسوف قد خاض في علم الشرع والعقل، فمزج ما بين العلمين، وذكر الفلسفة وحسنها في قلوب أهل الشرع بأبيات يتلوها عندها وأحاديث يذكرها، ثم كان في هذا الزمان المتأخر رجل من الفلاسفة يعرف بابن سينا ملأ الدنيا تآليف في علم الفلسفة، وهو فيها إمام كبير، وقد أدته قوته في الفلسفة إلى أن حاول رد أصول العقائد إلى علم الفلسفة، وتلطف جهده حتى تم له ما لم يتم لغيره، وقد رأيت جملاً من دواوينه ورأيت هذا الغزالي يعول عليه في أكثر ما يشير إليه من الفلسفة.

ثم قال: وأما مذاهب الصوفية فلست أدري على من عول فيها، ثم أشار إلى أنه عول على أبي حيان التوحيدي.

ثم ذكر توهية أكثر ما في الإحياء من الأحاديث وقال: عادة المتورعين أن لا يقولوا قال مالك قال الشافعي فيما لم يثبت عندهم، ثم أشار إلى أنه يستحسن أشياء مبناها على ما لا حقيقة له، مثل قوله في قص الأظفار أن تبدأ بالسبابة لأن لها الفضل على بقية الأصابع لكونها المسبحة إلى آخر ما ذكر من الكيفية، وذكر فيه أثراً، وقال: من مات بعد بلوغه ولم يعلم أن الباري قديم مات مسلماً إجماعاً،

<<  <  ج: ص:  >  >>