للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفضائل العلية، وجعلوا فهمها من أقصى مراتب العلم، حتى أهلموا حفظ العلوم والمسائل، بل لا يعدون ذلك شيئاً، وليت شعري هل كان علم المتقدمين في الصدور أم في السطور؟ وكيف كان علماء الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين؟

قال: وقد رأيتُ بعض المؤلفين -وأنا أقابل معه تأليفه وقد دقق فيه- يتوقف في فهم بعض العبارات، ولا يهتدي لها إلا بتأمل طويل، فهل ينبغي لمسلم ذلك؟ وليت شعري إذا اشتغل المتعلم في فهم العبارة فمتى يشتغل بحفظ المعنى فأنصف.

ثم قال: وما أحوجهم إلى ذلك إلا عبارات الأعاجم الركيكة القاصرة عن مقاصدهم، وكم رأينا ممن رسخ في فهم ذلك ولا يستطيع إعراب بيت من الشعر العربي، فهل يليق ذلك بالعلماء أمناء الدين"؟ انتهى.

وشكوى الناس في كل عصر من الكتب المتداولة بين الأيدي قد عرفها كل أحد، فأي ذنب لمن تمنى أن يؤلف في هذا العصر- عصر ظهور كنوز العلم وانتشار الكتب العجيبة -تفسيراً يفصل فيه محاسن الشريعة الغراء، ويطبق فيه أحوال العصر، ويوافق فيه بين القواعد التي ثبتت بالبرهان وبين الآيات الكريمة، مما يستوجب ميل العامة لمطالعته ومراجعته، فإنه الكتاب الذي قال الله تعالى في شأنه: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} ١ وقال عزَّ اسمه: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى* الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} ٢ فهذه الآية شملت جميع ما خلق الله تعالى من العرش إلى الفرش، ولمن تكلم على هذه الآية له مجال واسع في البحث عن سائر الفنون، ولهذا كانت هذه السورة من أحب السورة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال سبحانه لما قالت الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} ٣. وهنا ذكر المفسرون أن من


١ سورة الأنعام: ٣٨.
٢ سورة الأعلى: ١- ٣.
٣ سورة البقرة:٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>