للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شريعة غير الشريعة التي علمهم إياها في حياته، وهو لم يأمرهم إذا كان لأحدهم حاجة أن يذهب إلى قبر نبي أو صالح فيصلّي عنده ويدعوه، أو يدعو بلا صلاة، أو يسأله حوائجه، أو يسأله أن يسأل ربه، فقد علم الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بشيء من ذلك، ولا أمرهم أن يخصُّوا قبره أو حجرته لا بصلاة ولا دعاء، لا له ولا لأنفسهم، بل قد نهاهم أن يتخذوا بيته عيداً، فلم يقل لهم كما يقول بعض الشيوخ الجهال لأصحابه: إذا كان لكم حاجة فتعالوا إلى قبري، بل نهاهم عما هو أبلغ من ذلك أن يتخذوا قبره أو قبر غيره مسجداً يصلون فيه لله، ليسد ذريعة الشرك، فصلى الله عليه وعلى اله وأصحابه وسلم تسليماً، وجزاه عنا أفضل ما جزى نبياً عن أمته، قد بلّغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه، فكان إنعام الله به أفضل نعمة أنعم بها على أهل الأرض.

وقد دلهم صلى الله عليه وسلم على أفضل العبادات، وأفضل البقاع، كما في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قلت يا رسول؛ أي العمل أفضل؟ قال: "الصلاة على مواقيتها" قلت: ثم أي؟ قال: "ثم بر الوالدين" قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله". سألته عنهن، ولو استزدته لزادني١.

وفي"المسند" و"سنن ابن ماجه" عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن"٢. والصلاة قد سُنَّ للأمة أن تُتَّخَذَ لها مساجد، وهي أحبُّ البقاع إلى الله، كما ثبت عنه في صحيح مسلم وغيره أنه قال: "أحب البقاع إلى الله المساجد، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق"٣. ومع هذا فقد لعن من يتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد- وهو في مرض الموت- نصيحة للأمة، وحرصاً منه


١ أخرجه البخاري (٢٧٨٢) ومسلم (٨٥) .
٢ أخرجه أحمد (٥/٢٧٧) وابن ماجه (٢٧٧) وصحّحه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (٤١٢) و"صحيح سنن ابن ماجه" (٢٢٤) .
٣ أخرجه مسلم (٦٧١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>