للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تقدم نهيه أن يُتَّخَذُ قبرُه عيداً، فلما علم الصحابة أنه قد نهاهم عن أن يتخذوه مصلّى للفرائض التي يتقرب بها إلى الله- لئلا يتشبهوا بالمشركين الذين يتخذونها ويصلون بها وينذرون لها- كان نهيهم عن دعائها أعظم وأعظم، كما أنه لما نهاهم عن الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها- لئلا يتشبهوا بمن يسجد للشمس- كان نهيهم عن السجود للشمس أولى، فكان الصحابة يقصدون الصلاة والدعاء والذكر في المساجد التي بُنِيَتْ لله دون قبور الأنبياء والصالحين التي نُهوا أن يتخذوها مساجد وإنما هي بيوت المخلوقين، وكانوا يفعلون بعد موته ما كانوا يفعلون في حياته".

ثم ذكر فصلاً في جوابه عن غلو بعض الناس في تعظيما القبور حتى قال: "إن البلاء يندفع عن أهل البلاد أو الإقليم بمن هو مدفون عندهم من الأنبياء والصالحين".

قال شيخ الإسلام في أثناء كلامه في (الجواب الباهر) : "وأما ما يظنه بعض الناس أنه يندفع البلاء عن أهل بغداد بقبور ثلاثة: أحمد بن حنبل، وبشر الحافي، ومنصور بن عمار، ويظن بعضهم أنه يندفع البلاء عن أهل الشام بمن عندهم من قبور الأنبياء؛ الخليل وغيره عليهم السلام، وبعضهم يظن أنه يندفع البلاء عن أهل مصر بنفيسة أو غيرها، أو يندفع عن أهل الحجاز بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وأهل البقيع أو غيرهم؛ فكل هذا غلوّ مخالف لدين المسلمين، مخالف للكتاب والسنة والإجماع، فالبيت المقدس كان عنده من قبور الأنبياء والصالحين ما شاء الله فلما عصوا الأنبياء وخالفوا ما أمر الله به ورسله سلط عليهم من انتقم منهم، والرسل الموتى ما عليهم إلا البلاغ، وقد بلّغوهم رسالة ربهم، وكذلك نبيّنا قال الله تعالى في حقه: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} ١ وقال: {عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} ٢.


١ سورة الشورى: ٤٨.
٢ سورة العنكبوت: ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>