للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعصِهما فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً" ١.

ومكة نفسها لا يدفع البلاء عن أهلها ويجلب لهم الرزق إلا بطاعتهم لله ورسوله كما قال الخليل عليه السلام: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} ٢.

وكانوا في الجاهلية يعظّمون حرمة الحرم، ويحجون ويطوفون بالبيت، وكانوا خيراً من غيرهم من المشركين، والله لا يظلم مثقال ذرة، فكانوا يكرمون مالا يكرم غيرهم، ويؤتون مالا يؤتاه غيرهم، لكونهم كانوا متمسكين من دين إبراهيم أعظم ما تمسك به غيرهم، وهم في الإسلام إن كانوا أفضل من يغرهم كان جزاؤهم بحسب فضلهم، وإن كانوا أسوأ عملاً من غيرهم كان جزاؤهم بحسب سيئاتهم، فالمساجد والمشاعر إنما تنفع فضيلتها لمن عمل فيها بطاعة الله، وإلا فمجرد البقاع لا يحصل بها ثواب ولا عقاب، وإنما الثواب والعقاب على الأعمال المأمور بها والمنهي عنها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بين سلمان الفارسي وأبي الدرداء، وكان أبو الدرداء بدمشق وسلمان بالعراق، فكتب أبو الدرداء إلى سلمان: هلم إلى الأرض المقدسة. فكتب إليه سلمان: "إن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدس الرجل عمله"٣.

والمقام بالثغور للجهاد أفضل من سكنى الحرمين باتفاق العلماء، ولهذا كان سكنى الصحابة بالمدينة أفضل لهجرة.

والله هو الذي خلق الخلق وهو الذي يهديهم ويرزقهم وينصرهم، وكل من


١ أخرجه أبو داود (١٠٩٧) وضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (٢٣٨) .
٢ سورة إبراهيم: ٣٧.
٣ أخرجه أبو داود السجستاني في "الزهد" (رقم: ٢٧٣) وعبد الله بن أحمد في زوائده على "الزهد" (٢/ ٩٠- ط. دار النهضة) أو رقم (١٩٣) والدينوري في "المجالسة" في "مصنفه" (٦/١٥٤/ و ٨/١٨٢) ووكيع في "أخبار القضاة" (٣/٢٠٠) وأبو نعيم في "الحلية" (١/٢٠٥) وابن سعد في "الطبقات" (٤/ ٦٣) بأسانيد مرسلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>