للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"ومن سأل لي الوسيلة حلّت عليه شفاعتي يوم القيامة" ولم يقل: "كان أسعد الناس بشفاعتي " بل قال: "أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه". فعُلِمَ أن ما يحصل للعبد بالتوحيد والإخلاص من شفاعة الرسول وغيرها لا يحصل بغيره من الأعمال وإن كان صالحاً، كسؤال الوسيلة للرسول، فكيف بما لم يأمر به من الأعمال بل نهى عنه، فذاك لا ينال به خيراً لا في الدنيا ولا في الآخرة، مثل غلوّ النصارى في المسيح، فإنه يضرهم ولا ينفعهم، ونظير هذا في الصحيح عنه أنه قال: "إن لكل نبيّ دعوة مستجابة، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئاً"١.

وكذلك في أحاديث الشفاعة كلها إنما يشفع في أهل التوحيد، فبحسب توحيد العبد لربه وإخلاصه دينه لله يستحق كرامة الله بالشفاعة وغيرها، وهو سبحانه علّق الوعد والوعيد والثواب والعقاب والحمد والذم بالإيمان به وتوحيده وطاعته، فمن كان أكمل في ذلك كان أحق بتولي الله له بخير الدنيا والآخرة، ثم جميع عباده مسلمهم وكافرهم هو الذي رزقهم، وهو الذي يدفع عنهم المكاره، وهو الذي يقصدونه في النوائب، قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} ٢. وقال تعالى: {قُلْ مَنْ يَكْلَأُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} ٣ أي: بدلاً عن الرحمن هذا أصح القولين، كقوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} ٤ أي: لجعلنا بدلاً منكم، كما قاله عامة المفسرين، ومنه قول الشاعر:

فليت لنا من ماء زمزم شربة ... مبردة باتت على طهيان

أي: بدلاً من ماء زمزم، فلا يكلأ الخلق بالليل والنهار فيحفظهم ويدفع عنهم المكاره إلا الله، قال تعالى: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ


١ أخرجه البخاري (٧٤٧٤) ومسلم (١٩٩) .
٢ سورة النحل: ٥٣.
٣ سورة الأنبياء: ٤٢.
٤ سورة الزخرف: ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>