للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم شرقي المسجد وقبليه- وقيل وشاميه- فاشتريت من ملاكها ورثة أزواجه وزيدت في المسجد فدخلت حجرة عائشة، وكان الذي تولى ذلك عمر بن عبد العزيز نائب الوليد على المدينة، فسد باب الحجرة وبنوا حائطاً آخر عليها غير الحائط القديم، فصار المسلم عليه من وراء الجدار أبعد من المسلّم عليه لما كان جداراً واحداً.

قال هؤلاء: ولو كان سلام التحية الذي يرده على صاحبه مشروعاً في المسجد لكان له حد ذراع أو ذراعان أو ثلاثة، فلا يعرف الفرق بين المكان الذي يستحب فيه هذا والمكان الذي لا يستحب.

فإن قيل: من سلّم عليه عند الحائط الغربي رد عليه. قيل: وكذلك من كان خارج المسجد، وإلا فما الفرق حينئذ، فيلزم أن يرد على جميع أهل الأرض، وعلى كل مصلٍّ في صلاة- كما ظنه بعض الغالطين- ومعلوم بطلان ذلك، وإن قيل يختص بقدر بين المسلم وبين الحجرة، قيل: فما حد ذلك؟ وهم لهم قولان: منهم من يستحب القرب من الحجرة كما استحب ذلك مالك وغيره. ولكن يقال: فما حد ذلك القرب؟ وإذا جعل له حد فهل يكون من خرج عن الحد فعل المستحب؟! وآخرون من المتأخرين يستحبون التباعد عن الحجرة، كما ذكر ذلك من ذكره من أصحاب أبي حنيفة والشافعي، فهل هو بذراع أو باع أو أكثر؟ وقدره من قدره من أصحاب أبي حنيفة بأربعة أذرع، فإنهم قالوا: يكون حين يسلم عليه مستقبل القبلة، ويجعل الحجرة عن يساره، ولا يدنوا أكثر من ذلك، وهذا- والله أعلم- قاله المتقدمون، لأن المقصود به السلام المأمور به في القرآن كالصلاة عليه، ليس المقصود به سلام التحية الذي يرد جوابه المسلم عليه، فإن هذا لا يشرع فيه هذا البعد، ولا يستقبل به القبلة، ولا يسمع إذا كان بالصوت المعتاد.

وبالجملة؛ فمن قال إنه يسلم سلام التحية الذي يقصد به الرد فلا بد من تحديد مكان ذلك فإن قال: إلى أن يسمع ويرد السلام فإن حد في ذلك ذراعاً أو

<<  <  ج: ص:  >  >>