ذراعين أو عشرة أذرع، أو قال: إن ذلك في المسجد كله أو خارج المسجد؛ فلا بد له من دليل، والأحاديث الثابتة عنه فيها أن الملائكة يبلغونه صلاة من صلى عليه وسلام من يسلم عليه، ليس في شيء منها أنه يسمع بنفسه ذلك، فمن زعم أنه يسمع ويرد من خارج الحجرة من مكان دون مكان فلا بد له من حد، ومعلوم أنه ليس في ذلك حد شرعي وما أحد يحد في ذلك حداً إلا عورض بمن يزيده أو ينقصه ولا فرق.
وأيضاً فذلك يختلف باختلاف ارتفاع الأصوات وانخفاضها، والسنة للمُسَلِّم في السلام عليه خفض الصوت، ورفع الصوت في مسجده منهي عنه بالسلام والصلاة وغير ذلك، بخلاف المسلّم من الحجرة، فإنه فرق ظاهر بينه وبين المسلّم عليه من المسجد، ثم السنة لمن دخل مسجده أن يخفض صوته، فالمسلّم عليه إن رفع الصوت أساء الأدب برفع الصوت في المسجد، وإن لم يرفع لم يصل الصوت إلى داخل الحجرة، وهذا بخلاف السلام الذي أمر الله به ورسوله، الذي يسلّم الله على صاحبه كما يصلّي على من صلَّى عليه، فإن هذا مشروع في كل مكان لا يختص بالقبر.
وبالجملة؛ فهذا الموضع فيه نزاع قديم بين العلماء على كل تقدير، فلم يكن عند أحد من العلماء الذين استحبوا سلام التحية في المسجد حديث في استحباب زيارة قبره يحتجّون به، فعلم أن هذه الأحاديث ليست مما يعرفه أهل العلم، ولهذا لما تتبعت وجدت رواتها إما كذّاب وإما ضعيف سيء الحفظ، ونحو ذلك، كما قد بين في غير هذا الموضع.
وهذا الحديث الذي فيه:"ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام" قد احتج به أحمد وغيره من العلماء، وقيل: هو على شرط مسلم. وهو معروف من حديث حيوة بن شريح المصري الرجل الصالح الثقة، عن أبي صخر. عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبي هريرة. وأبو صخر هذا؛ متوسط، ولهذا اختلف فيه عن يحيى بن معين، فمرة قال: هو ضعيف، ووافقه النسائي. ومرة قال: لا بأس به، ووافقه أحمد. فلو قذّر أن