للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقال: بل البد والسعة واليسر في القول بأنه لا يستغاث بالمخلوق فيما يختص بالخالق، ولو كان المخلوق قد ثبت له من الكرامة ما ثبت فالكرامة فعل الله لا فعل غيره، والمستغاث هو الله لا غيره، ولم يكن الصحابة يستغيثون ويسألون من ظهرت له كرامة أو حصلت له خارقة من الخوارق، فهذا الكلام الذي قاله الغلاة جهل مركب يليق بقائله، وكل إناء بالذي فيه ينضح.

وأما قوله: والأخبار النبوية قد عاضدته، والآثار قد ساعدته.

فبالوقوف على ما مر من كلامنا تعرف أن الأخبار النبوية قد عارضته وما عاضدته، بل أبطلته والآثار السلفية قد ردته وما ساعدته.

وأما قوله: ومن جعل الله فيه قدرة كاسبة للفعل مع اعتقاده أن الله هو الخالق؛ كيف يمتنع عليه طلب ذلك الشيء؟

فجوابه: أن الله لم يجعل للعباد قدرة على ما يختص به من الإغاثة المطلقة.

وأما الإغاثة بالأسباب العادية، وما هو في طوق البشر وقدرتهم؛ فهذا ليس الكلام فيه. والأموات لا قدرة لهم على الأسباب العادية، وما يطلب من الحيّ الحاضر، فما هنا ليس من ذلك القبيل، وما يستوي الأحياء ولا الأموات، وقد يجعل الله للعبد قدرة على بعض الأشياء ويمنع من سؤاله وطلبه، وفي الحديث: "لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس على وجهه مزعة لحم"١. وفيه: "من سأل الناس وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خدوشاً أو خموشاً في وجهه"٢. فهذا له قدرة، وقد منع السائل الغني من سؤاله، بل والسحرة جعل الله لهم قدرة على أنواع السحر والشعبذة وسؤالهم ذلك من أكبر الكبائر. فبطل قول هذا الزائغ أن من جعل الله له قدرة لا مانع من سؤاله، وكون الله قده قرب أنبياءه ورسله، وأوجب


١ أخرجه مسلم (١٠٤٠) .
٢ حديث صحيح. أخرجه أحمد (١/٣٨٨) وأبو داود (١٦٢٦) والنسائي (٣/٩٧) والترمذي (٦٥٠) وابن ماجه (١٨٤٠) وغيرهم، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وصحّحه الشيخ الألباني- رحمه الله-.

<<  <  ج: ص:  >  >>